فات الأوان ما قادر أصدق إنو نحن أوانا فات ! كلمات خطها الأستاذ الشاعر الراحل المقيم محمد يوسف موسي، وشنف آذاننا بها تطريبا وصوتا الفنان الراحل المقيم صلاح بن البادية، محمد يوسف موسي يعتبر من رواد شعراء الجيل الماسي للغناء السوداني وهو رائد مدرسة التجديد في الشعر الغنائي السوداني.
مايميز النبض الشعري لمحمد يوسف هو انتقاءه للكلمة بطريقة جميلة ودائما يتخير معانيها، شعره يتسم ببساطة الصدق وحرارة العاطفة، يرسل كلماته كأنها مقاطع موسيقي يرددها كل من يسمع لحن حروفها، من أجمل ماكتب واهدى مثال لذلك أغنية (صوت السماء) التي أداها الراحل سيد خليفة (وعذبني وتفنن) للراحل محمد وردي و(كلمة) لإبن البادية وغيرها كثير من الدرر الغنائية الفريدة.
محمد يوسف موسي في أغنية فات الأوان التي كتبها لعب بالألفاظ والتراكيب لعبا ممتعا، أمتلك سحرا عجيبا وهو كيف يجذب المستمع، جناس ممتع استعمله في تزيين المفردة بالحلة البلاغية، صور بلاغية أخرجها شعرا وموسيقى وفناً، أسئلة حائرة رددها.
فات الاوان والانكتب علي جبينا الليلة بان
أصبحنا أغراب نحن القراب لا رعشة لا لمسة حنان
كيفن سنين الحب تفوت وياداب ظلال افراحا جات
كيف نفترق نقطع صلاتنا يوم ما بدت بينا الصلات؟.
الراحل المقيم محمد يوسف موسي عاصر عمالقة الشعر الغنائي وهذا ما جعله يجتهد للوصول إلى مصافي هؤلاء المبدعين وسار بخطى ثابتة وراسخة حتي صار رئيس إتحاد شعراء الأغنية السودانية، مدرسته الشعرية هي مدرسة العاطفة الجياشة الممزوجة بالرومانسية المتأججة المخلوطة بالحزن الراقي والاعتراف بحالة الهوي ودرجته العالية والتحسر علي عدم معرفة الذي يهويه من زمن مضي.
أنا عشت من قبلك غريب ما عرفت تقدير الزمن
أحبابي من قبلك دموع واصحابي من قبلك شجن
كان عمري حفنات من ضياع ماليهو قيمة ولا ثمن
يوم عرفتك كان سنين العمر ولن وانتهن
فضلت اتحسر وأقول ليه ماعرفتك من زمان.
أجمل ماختم شاعرنا محمد يوسف موسي هذه القصيدة بالاستغراب الحزين الجاذب الذي يلمس القلب مباشرة دون وسيط واهات صادقة صاغها كتابة بقلبه النظيف عندما ردد الله عدة مرات،
الله…
الله…
الله لحبي الاحترق يوم انفتح للجنة باب
الله
الله
الله لشمعاتي الانطفن يوم الظلام بالفرحة داب
الله
الله
الله لعمري الانتهي يوم ابتديت أحسب حساب.. قول الوداع فات الأوان ياريتو فات قبل الأوان.
هنا الفنان صلاح الجيلي محمد أبو قرون والذي لقب بإبن البادية أبدع في التغني الظريف والجميل بهذه الكلمات وصاغها في حلة براقة وزاهية من لحن شجي وصوت رائع فاق حد الروعة وفاق حد الدهشة العارمة، إبن البادية لم يغني من الغناء سخفا ولم يردد إلا اللذيذ الذي بصوته الآخاذ سحره جعله ثمرة للأكلين فيه لذة متناهية من غناء سوداني أصيل وخالص، كان بين الشاعر محمد يوسف وابن البادية ودا وصداقة وحبا كان النتاج هذا الفن العجيب.
انا أقول : الله …الله …الله عليك يامن سكبت الذهب شعرا، الله …الله ..الله عليك يامن نثرت الدرر نثرا، الله ..الله ..الله عليكما، قامتان عطرتا مقالي هذا قامة الشعر وقامة الغناء، الله ..الله عليك يا صفوة المبدعين الفنان صلاح إبن البادية، ألا رحمكما الله وأسكنكما فسيح جناته ودمتما في عداد الخالدين .