بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن الصراع بين القوى السياسية فيما بينها لا تحكمه شروط عملية التحول الديمقراطي التي تنادي بها، أو تحاول أن تظهره في الشعارات التي تصدرها، بل تتحكم فيه المصالح الحزبية والرغبات الخاصة، الأمر الذي يجعل الأزمة (محلك سر) وهنا لا اتحدث عن الصراع بين المدنيين والعسكر، بل أتحدث عن صراع القوى المدنية وتنافسها للوصول مرة أخرى للسلطة رغم أن تجربة الثلاث سنوات أكدت أن صراع القوى المدنية من أجل استحواذ السلطة سوف يعطل إجراءات تكوين المؤسسات الداعمة للديمقراطية، المسألة الثانية أن صراع المصالح سوف يجعل اللأجندة الوطنية في مرتبة دونية، وهي تجربة الثلاث سنوات الماضية.
قبل الدخول في إفادات الأستاذ إبراهيم الشيخ القيادي في حزب المؤتمر السوداني و(قحت – المركزي) التي جاءت في اللقاء الذي كانت قد أجرته معه جريدة (الجريدة) يوم الجمعة 14 ابريل 2022م، يجب التطرق لقضيتين مهمتين ينطلق المقال منهما. الأول فالرجل استطاع أن يجاوب على أسئلة الجريدة المتعددة التي طالت العديد من القضايا بوضوح كامل. الثاني لم يشرح الشيخ الحصار الذي ضربه الحزب الشيوعي على القوى السياسية ويقيدها به، أن الزملاء صنعوا لهم طريقا سياسيا Political track)) الزموا القوى السياسية أن لا تخرج عنه يتمثل في (أن تكون القوى السياسية تحت وصاية (لجان المقاومة – اللاءات الثلاث) رغم أن القووى السياسية مناط بها تقود العملية السياسية ويسندها الشارع، والقوى السياسية يجب أن تتحرر من كل القيود لكي تستطيع أن تدير الصراع بأفق أوسع، وهي مطالبة أيضا في ظل الصراع أن تغير تكتيكاتها وأدواتها بهدف إحداث أختراق في الجانب الأخر أو تطويعه من أجل التجاوب مع أطروحاتها.
في الإجابة على سؤال المطالبة بالاعتذار قال إبراهيم الشيخ “المطالبة بالاعتذار صدرت من وقت باكر، لكن لا أتصور أن قوى الحرية والتغيير ارتكبت خطيئة، كل المجموعات التي تطالب الحرية والتغيير بالاعتذار كانت شاهدة على الوثيقة الدستورية والمفاوضات التي جرت مع المكون العسكري وعلى إعلان الحكومة الأولى وعلى مجلس السيادة، وكذلك شاهدة على البرامج المختلفة التي صدرت عن الحرية والتغيير والحكومة الأولى والثانية، والعمل السياسي ليس به خطيئة كبيرة مارستها القوى المكونة للحرية والتغيير، وكل الأطراف حتى التي تتخذ موقفاً حاداً كانت شريكة، وعندما تنظر لمن قادوا التفاوض تجد كل هذه المجموعات حاضرة” أن المطالبة بالاعتذار هي طلب الحزب الشيوعي جاء على لسان العديد من القيادات في الحزب الشيوعي، الهدف من ذلك أن تعترف (قحت المركزي) بتحملها أخطاء فترة الثلاث سنوات الماضية، وتكون تبرئة للشيوعي رغم مشاركته في هذه الفترة ويتحمل مسؤولية الأخطاء فيها مع الأخرين. لكن (قحت المركزي) مادام هي حاضنة سياسية يجب أن تقدم تقيما لفشل الثلاث سنوات، ولماذا أخفقت في توجيه السلطة التنفيذية أن تكون أكثر حرصا لتكوين المؤسسات التي تدعم عملية التحول الديمقراطي (قحت المركزي) وافقت أن يكون مجلس الشركاء بديلا (للمجلس التشريعي) هي التي قدمت فرصة ثمينة لاستمرار العسكر في المشاركة في عملية التشريع المطلوبة للفترة الانتقالية. اليست هذه أخطاء في نظر الشيخ، اليس الديمقراطية تطالبكم أن تقدم تقييما للفترة السابقة بكل شفافية. ولمصلحة الاجيال الجديدة.
وفي ذات الموضوع يقول الشيخ أيضا “لكن الدعوة للاعتذار كلمة حق أريد بها باطل والهدف الأساسي إقصاء الحرية والتغيير من المشهد تماماً، وهذه أشواق موجودة عند المكون العسكري وعند مجموعة الميثاق الموالية للانقلاب وكذلك موجودة عند الحزب الشيوعي وبعض لجان المقاومة، وبعض المهنيين الموالين للحزب الشيوعي، كل هذه المجموعات ترى بأن الفرصة سانحة لاقصاء الحرية والتغيير، والحرية والتغيير بتركيبتها الموجودة في المجلس المركزي” أن هذا الحديث فيه شيء من السذاجة السياسية، هل كان الشيخ يعتقد أن انتصار الثورة يعني ذلك نهاية الصراع السياسي، والكل سوف يقدم ل (قحت المركزي) فروض الولاء والطاعة. المشكل أن بعض القوى أعتقدت أن وجودها في السلطة يعطيها شرعية ومناصرة ضد قوى تشكل لها تحدي في المجتمع، ولهثها وراء السلطة في فترة الثلاث سنوات لم يكن بهدف انجاز عملية التحول الديمقراطي. بل فرصة لبناء مؤسستهم السياسية. حتى الحزب الشيوعي الذي حاصركم بقيوده، أيضا ليس في مصلحته قيام قوى جديدة تنافسه في ساحة سياسية. كانت الساحة سوف تسمح له أن يقول هو الحزب التقدمي الوحيد في مواجهة الطائفية والإسلاميين. رغم أن الأخرين (الطائفية والإسلاميين) يدركون أن الشيوعي تأثيره محدود في الساحة بعد الانتخابات، خاصة أنه يعمل من خلال واجهات سوف تغيب في المرحلة القادمة، عندما تقام الانتخابات في النقابات والاتحادات فالحرية والتغيير كان يجب عليها أن تدرك أن الديمقراطية صراع مستمر، لذلك كان عليها أن تكون المثابرة من أجل تشكيل المؤسسات الداعمة للديمقراطية.
وفي محطة أخرى يقول إبراهيم الشيخ “كان حمدوك يتحدث عن التجربة السودانية الفريدة والشراكة القائمة بين المكون العسكري والمدني وضرورة الالتزام بهذه الصيغة وبالوثيقة الدستورية وصولاً للانتخابات، لكن بصورة واضحة، العساكر لم يكونوا أمينين على الوثيقة ولم يكونوا مؤتمنين ولا حريصين على المضي للأمام بالوثيقة الدستورية والفترة الانتقالية حتى الوصول لانتخابات، ونحن مررنا معهم بتجربة فض الاعتصام وتجاوزناها حتى صرنا متهمين بأننا بعنا الدم (بي كم بي كم قحاتة بعتوا الدم)” هنا كان على الشيخ أن يفصل بين رؤية حمدوك وبين رؤية العسكر. أن العسكر تمددت أرجلهم من خلال الفراغات التي خلفها المدنيين، وأيضا استفادوا من الصراعات وسط المدنيين. حمدوك رغم أنه لم يقدم نفسه كسياسي لكنه كان مدركا أن الصراع الدائر في السلطة سوف يكون خصما على العملية الديمقراطية. وكان يؤكد على الشراكة بين العسكريين والمدنيين لأنه كان أيضا مدركا أن هذه الشراكة كانت كتجربة سياسية وجدت استحسان في المجتمع الدولي، وهي التي فتحت له أبواب عديدة في أمريكا وأوروبا لدعم الفترة الانتقالية، حمدوك لم يكن جزءا من صراع السلطة لأنه كان مستوعبا أن رئاسته لمجلس الوزراء مقيدة بالفترة الانتقالية. وظهر ذلك في مبادرته التي شرح فيها الوضع المتشظي إن كان وسط المدنيين أو العسكريين والعسكريين والمدنيين. حتى إذا كان حمدوك قد اخطاء. يجب أن تسأل عن الخطأ الحاضنة السياسية باعتبارها المتابعة والمراقبة لأداء السلطة التنفيذية، ومعرفة هل سوف تستطيع أن تنجز الأهداف أم حادت عن الطريق. لكن الحاضنة لم تقوم بهذا الدور، بل كانت مستوعب في صراع جانبي.
حول تعدد المبادرات قال الشيخ “هناك تباينات وتعدد مبادرات ومواثيق، وحزب الأمة طرح ميثاق ومبادرة، وتم دمجها في الرؤية الكلية للحرية والتغيير، باعتبار أن حزب الأمة طرف ومكون أصيل في المجلس المركزي للحرية والتغيير، والاتحادي الأصل نحن في الحرية والتغيير لسنا معنيين به وبمبادرته، ولم تطرح مبادرته لنا في المجلس المركزي، وأعتقد أن الاتحادي الأصل بموجب الوثيقة الدستورية التي أبرمناها” هنا يحدث التناقض في الخطاب السياسي لقيادات ( قحت المركزي) يتحدثون؛ أن العسكر قد مزقوا الوثيقة الدستورية، وأصبح لا وجود لها، لذلك يرفضون أي شراكة مع العسكر. لكن عندما تكون الوثيقة مع خصوم سياسيين يرجعون للوثيقة الدستورية. أن الصراع السياسي بين المكونات السياسية سوف يستمر، وسوف تنتهي تحالفات وتؤسس تحالفات جديدة وفقا للبرامج والمصالح. وقضية الصراع بين الأحزاب وفروعها وأصولها الأخرى سوف تستمر وتحسمه الانتخابات القادمة. لكن السؤال للشيخ القيادي في حزب المؤتمر السوداني هل أنت مع الوثيقة الدستورية أم تعتقد أن الوثيقة قد سقطت وانتهت بانقلاب 25 أكتوبر؟ إذا سقطت الوثيقة وأنتهت ليس لك الحق تثيرها من أجل إقصاء الأخرين. وإذا تعتقد أنها موجودة تصبح عملية الشراكة قائمة.
عندما سئل الشيخ عن قبولهم للحوار مع العسكر قال “إذا أوقفوا العنف ورفعوا حالة الطوارئ وتشكلت لجنة للتحقيق في الاغتيالات وتشكيل محاكم ومحاسبة القتلة، لو تم ذلك، الخطوة التالية سينتقل الناس لبحث كيفية التحول للدولة المدنية وتسليم السلطة للقوى المدنية وعودة الجيش إلى الثكنات.لشراكة والمساومة السياسية مع العسكر قائمة.” مشكلة الحرية والتغيير وقعت في الحبائل التي نصبها الحزب الشيوعي في طريقهم. والذي يقوله الشيخ في الحوار، أفضل أن يقوله على مائدة الحوار بصورة مباشرة وعلنية لكي يفتح المنافذ للحل، السياسة تريد الإقدام الوعي والجريء، ومن حق القوى السياسية أن تفاوض وتحاور وتستخدم كل أدواتها التكتيكية لكي تحدث أختراقا في الأزمة، والسياسة مهمتها أن تزيل القيود والعوائق التي تعترض طريقها، وليس تضع هي القيود على حركتها.
في المحطة الأخيرة: ما هو الحل للأزمة: يقول الشيخ “المنصة الوحيدة التي من شأنها أن تنقل البلد من مأزقها الراهن هي مبادرة فولكر المدعومة من الاتحاد الافريقي وهي مبادرة أممية معبرة عن مجلس الأمن وعن الأمم المتحدة والايقاد والاتحاد الأوربي وعن الأمريكان والمحيط الاقليمي من السعودية والإمارات ومصر وكل هذه الجهات تلقي بثقلها وتراهن على مبادرة فولكر التي تشكل المنصة الوحيدة المتاحة للانتقال للدولة المدنية.” جميل أن يؤكد الشيخ على المبادرة الأممية باعتبارها المخرج من الأزمة. والتأكيد عليها بقوة وتبنيها هو الخروج من حصار الزملاء على القوى السياسية. لكن محتاج المؤتمر السوداني ان يخرج من الشرنقة التي وضع نفسه فيها بسبب الانصياع للضغوط التي يمارسها الزملاء، وكان المتوقع أن يلعب المؤتمر السوداني الدور المساند لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، ويكون هو القوى الجاذبة للأخرين لمحور الديمقراطية. وتبني المبادرة بينقل الصراع لمحطات متقدمة تدعم عملية التحول الديمقراطي في البلاد بشروط التوافق الوطني وليس بشروط حزب يريد أن يسيد نفسه على المسرح السياسي. نسأل الله حسن البصيرة.