بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن إشكالية العقل الأيديولوجي أنه عقل محنط وجامد لا يستطيع أن يتفاعل مع الأطروحات الفكرية والسياسية الأخرى، في اعتقاد أنه وحده صاحب الحل والعقد، كما أنه يحاول أن يلوي عنق الحقائق لكي يوصل الناس لقناعة غير مؤسسة على الحقائق, وسيظل التاريخ السياسي منذ عام 1946 يعيد نفسه فقط كظاهرة في الساحة السياسية السودانية. كان الاعتقاد أن الزملاء في الحزب الشيوعي السوداني أن يستفيدوا من التجارب السابقة، وأن يتواضعوا، ويتحاوروا مع الأخرين من أجل الوصول لتوافق وطني، يقود لبناء الدولة المدنية الديمقراطية. لكن للأسف أن الزملاء عجزوا أن ينزلوا من برجهم العاجي، في اعتقاد أنهم وحدهم يمثلون مرجعية الثورة وأهدافها. وأنهم وحدهم الذين يحملون مشعل الحرية وعلى الآخرين اتباعهم.
إصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني بيانا يطالب فيه الجماهير أن تقف ضد التسوية السياسية. والذي أسماها تصفية الثورة وطالب الجماهير ” التصدي بكل الطرق السلمية لهزيمة المخطط الهادف لتصفية الثورة وتكريس الديكتاتورية والتبعية والتفريط في السيادة الوطنية”. أن الحزب الشيوعي عنده قناعة كاملة أنه هو المسؤول عن الثورة، ويجب على كل القوى السياسية الأخرى أن تنصاع لتعليماته الحرفية، وجعلها جميعها في سلة واحدة هي قوى مضادة للثورة. وحتى قبل فض الاعتصام عندما جاء شباب الثورة بشعار فيه قدر عالي من القيم الفاضلة (يا عنصري يا مغرور كل البلد دارفور) لم يروق للزملاء وجاءوا بشعار أخر (أي كوز ندوسو دوس) وبعدها انطلقت شعارات الإقصاء والعنصري، وبدأت تظهر لايفات لعناصر تسير في ذات الطريق بهدف صناعة فزاعات تخرس الناس عن الحديث وتقديم أراء مضادة. وبدأ الزملاء في شن حرب نفسية على العديد من قيادات الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني بدأت بالانقسام في ( تجمع المهنيين) ثم ( تجمع القوى المدنية) وزحف على بعض الصحف بهدف منع أي رأي مخالف لنهج الزملاء، والكل يعرف أن إنتاج الثقافة الديمقراطية يتم من خلال الممارسات لكي تعلم الشارع أحترام الرأي الأخر. لكن للأسف أن أصحاب الأيديولوجية لا يؤمنون بالرأي الأخر. والكل يعلم أن الديمقراطية ليست رأيا واحدا بل هي تيارات فكرية متنوعة و مختلفة، ولكنها تصنع المؤسسات والمواعين التي تتحاور داخلها.
يبدأ بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي بالرجوع لبداية الثورة، ويحمل الكثير من المغالطات، ولوي عنق الحقائق، والغريب في الأمر أنه تاريخ يعيشه الناس الآن، والكل الآن حضور فيه يقول البيان “لا تزال قوى الهبوط الناعم وحلفائها من اللجنة الأمنية وبعض القوى الإقليمية والدولية تواصل مخططاتها التي تهدف إلى قطع الطريق أمام الثورة وتصفيتها في نهاية المطاف، وهي مواصلة لمخططات قديمة ظهرت في الأيام الأخيرة من نظام المخلوع البشير في إطار ما عرف بحوار الوثبة الذي شاركت فيه قوى الهبوط الناعم، التي وافقت على المشاركة في انتخابات 2020، ولكن تفاجأت بإندلاع الثورة في ديسمبر 2018” لماذا يريد الزملاء تغبيش الوعي عند جماهير، وهم يعلمون أن قيادة الانقلاب لم تكن راضية على عمل البعثة الأممية، وهذه البعثة جاءت بموجب خطاب أرسله رئيس الوزراء للأمم المتحدة، طالبا فيه المساعدة الفنية منها لانجاز مهام الفترة الانتقالية، وأن العسكر هم الذين رفضوا البعثة، لكن أيدتها كل القوى المدنية من ضمنها الحزب الشيوعي السوداني والواجهات التي تعمل معه.
وبعد الانقلاب اقترحت البعثة مسألة الحوار مع استبعاد حزب (المؤتمر الوطني) وفقا لنصوص الوثيقة الدستورية، كما أن المجتمع الدولي أدان الانقلاب وفقا للوثيقة الدستورية، واعتبره انقلاب عليها وعلى الشراكة. أما قضية الهبوط الناعم والمشاركة في انتخابات 2020، هي أيضا كانت ضمن رؤية تلك القوى السياسية في منازلة النظام. وهي تستمد ذلك من التجارب الأخرى في أفريقيا وأمريكا للاتينية التي استطاعت أن تنازل فيه المعارضة أنظمة شبيهة للإنقاذ في كل من ( ليبريا و كينيا وزمبابوي وغانا وفنزويلا وشيلي وارقواي وغيرها) واستطاعت أن تسقط النظم الديكتاتورية بذات أدواتها. أما المفاجأة بإندلاع الثورة كل القوى السياسية تفاجأت بها من ضمنها الحزب الشيوعي نفسه. والكل بدأ المشاركة بعد توقيع (أعلان الحرية والتغيير) ليس هناك حزبا هو الذي صنع الثورة. وعندما اندلعت الثورة الكل قد ترك خيارته الأخرى ووقف مع الثورة.
في محطة أخرى يريد أن الشيوعي أن يلوي عنق الحقيقة، ويقول عن (الأحزاب الأخرى) لكي يمارس عليها ضغطا سياسيا ومعنويا لكي تكون مقطورة له “اضطرت للإلتحاق بالثورة والتوقيع على مواثيقها، ولكنها تنكرت لهذه المواثيق مبكراً، عندما وقعت على الشراكة مع المجلس العسكري الانتقالي بموجب الوثيقة الدستورية التي كرست هيمنة العسكر على مفاصل السلطة وشاركت في حكومتي عبدالله حمدوك، ووافقت أن تكون واجهة مدنية زائفة لحكم العسكر.” أيضا الحزب الشيوعي التحق بالثورة وشارك في كل الحوارات التي دارت مع العسكريين حتى توقيع الوثيقة، يريد الحزب الشيوعي أن يحمل فشل الفترة الانتقالية في الثلاث سنوات للقوى الأخرى، رغم أنه كان عراب هذه التسوية مع العسكر، وصديق يوسف كان موجودا طوال المفاوضات مع العسكر. وأيضا عدد من الشيوعيين في واجهات أخرى. ومعروف أن الزملاء يعملون من خلال الواجهات. نعلم أن هناك أخطاء قد حدثت في الفترة الانتقالية ويجب أن يتحملها الجميع أولهم الحزب الشيوعي. ليس المحاولة رميها على الآخرين.
ويقول البيان أيضا في محاولة للهروب من الحقيقة “إن ملامح التسوية التي تسربت تدور حول ما رشح من اجتماع القاهرة للاتحادي الأصل مع الاتحاديين الذين كانوا مشاركين في نظام الإنقاذ ، وما سمعه وفد الحزب الشيوعي من الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة بقيادة السيد فوكلر والاتحاد الأفريقي بقيادة ودلبات ورئيس بعثة منظمة الايقاد السفير اسماعيل وايس ، تركز حول الغرض من اللقاء الجامع لكل القوى السياسية دون استثناء ، وأن الهدف من هذا الاجتماع هو التوصل إلى وفاق وطني لمناقشة الترتيبات الدستورية، وتحديد المعايير لاختيار رئيس الوزراء والحكومة وإجراء الانتخابات، وتحديد مهام مجلس السيادة والعسكريين” أن التسوية السياسية التي تديرها البعثة الأممية بدأت بعد الانقلاب، وليس لها علاقة باجتماع الاتحاديين في القاهرة. وهؤلاء قابلوا فوكلر في الخرطوم دون أن يغطوا وجوههم بأصبعهم. ومقابلتهم لفوكلر جاءت بعد مقابلة الحزب الشيوعي له وواجهاته التي ذهبت له بليل. والتسوية لم تكن في الخفاء بل كانت معلنة والشمس في رابعة النهار، والكل يعلم أن (البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والايقاد) يعملون من أجل تسوية و تعبيد الطريق للديمقراطية. أن التسوية جاءت بفضل تضحيات شباب الثورة (و ليست الثورية) وهذه التضحيات هي التي ضغطت العسكر للتنازل عن السير في طريق الانقلاب وتأسيس دولة شمولية، فالديمقراطية تؤسس من خلال الحوار المتواصل بين أبناء الوطن وليس محاولات العزل والإقصاء وتخويف الناس ونشر رايات الزعر حتى لا يصدع الناس بأرائهم. أن الشباب الذين صنعوا الثورة هم الذين أعادوا الكل لطريق التحول الديمقراطي.
ويقول الزملاء في بيانهم “قد أكدت التطورات في اليومين الماضيين أن الترتيبات للتسوية قطعت شوطاً بعيداً بدليل أن أحد المطلوبات التي وردت في لقاء الآلية هي تهيئة المناخ السياسي لإنعقاد اللقاء المرتقب، وردت في خطاب الفريق البرهان الآخير الذي أكد على تهيئة المناخ للتسوية وجاء في المؤتمر الصحفي لقوى الحرية والتغيير الذي أكد نفس حديث البرهان لتهيئة المناخ والتي لا ترقى لمطالب الشارع والثورة. “هل عندما ذهب الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين التابع له لفولكر، لم يكونوا على دراية أن فوكلر يهدف لتسوية سياسية، ويريد العودة لطريقة بناء الدولة المدنية الديمقراطية، أم كانت مفاجأة للزملاء أكتشفوها مؤخرا. أن الذين لا يرغبون في عملية التحول الديمقراطي يحاولون خلق العراقيل لها.
بدأ الزملاء الرجوع في البيان إلي مرجعيتهم الفكرية لعلهم يجدوا فيها شيئا ينقد عملية التسوية السياسية كما يسمونها، التي تريد أن تفارق مسار (الثورية) وليست الثورة حيث يقول البيان “ما يربط بين قوى الهبوط الناعم والمكون العسكري هي المصالح الطبقية والاقتصادية التي تتمثل في نهب ثروات البلاد ، كما يحدث الآن من خلال تهريب الذهب والصمغ العربي والثروة الحيوانية الخ… والتفريط في السيادة الوطنية من خلال تكريس التبعية للخارج والتي تعتمد عليه في بقائها في السلطة.” وهل الثورية التي يريدها الزملاء سوف تحقق الديمقراطية، أن الثورية التروتسكية التي تتبناها القيادات التاريخية في الحزب الشيوعي تؤسس نظاما ليس له علاقة بالديمقراطية. وماذا فعلت الثورية في كل دول أوروبا الشرقية سابقا غير نظم ديكتاتورية، وانتهاكات للحقوق، لذلك عندما سقط الاتحاد السوفيتي جميعهم هرولوا تجاه الراسمالية والديمقراطية. ولا يعتقد أحدا أن الأفكار التي قد تجاوزتها البشرية منذ نهايات القرن الماضي سوف تصبح مفيدة في السودان. يجب على الأجيال الجديدة في الحزب الشيوعي التي لم تستطيع أن تصدع برأيها، أن تنهض من كبوتها، وتقود النضال من اجل الديمقراطية من داخل حزبها الذي اقعدته المركزية الديمقراطية. الزملاء يعلمون تماما أن الديمقراطية صراع متواصل بين الأفكار، وأنهم لا يملكون زادا للسير في هذا الطريق، لذلك وقفوا في محطة واحدة وتعلقوا بأهداب الثورة وهم يقصدون ثورية تروتسكي.
يحاول الزملاء بشتى الطريق البحث عن تبريرات للهروب من الانتخابات، التي تشكف رصيد كل قوى سياسية من الجماهير، حيث يقول البيان التسوية تسمح باجراء انتخابات في ظل ظروف هيمنة العسكريين وحلفائهم المدنيين على مفاصل مؤسسات الدولة، وبمساعدة القوى الخارجية الاقليمية والدولية التى تراهن على المؤسسة العسكرية وقوى الهبوط الناعم لرعاية مصالحها، لذلك تخطط هذه القوى لاجراء هذه الانتخابات للسماح لها بالعودة لمواقع السلطة، لذلك من المؤكد حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق في وجود جيوش ومليشيات قبلية تضم أعداداً هائلة من الأجانب ، الذين تحصلوا على الرقم الوطني والجنسية السودانية واحتلوا أراضي النازحين واللاجئين، هذا من جانب ومن الجانب الآخر تنص اتفاقية جوبا المرفوضة من قبل الجماهير تنص على أن جيوش الحركات الموقعة على الاتفاقية يحق لها الاحتفاظ بسلاحها لمدة 40 شهراً من تاريخ التوقيع ، وهي القوات التي ستكون تحت امرة قادة الحركات المسلحة. “كان الأفضل للزملاء الحديث عن شفافية الانتخابات وخلق البيئة الصالحة لها وتكملة كل الأجراءات التي تقود لانتخابات نزيهة مثل (أجراء إحصاء في البلاد – تكوين مفوضية الانتخابات وأعداد قانون للانتخابات – تكملة أجراءات الترتيبات الأمنية – تحسين الاقتصاد – تحويل كل الحركات لأحزاب سياسية وغيرها من المطلوبات التي تجعل الانتخابات نزيهة وشفافة) ونقف معهم في مثل هذه المطلوبات.
أما القوى التي رفضتها الجماهير كما يقول الزملاء، أفضلهم أن ترفضها الجماهير من خلال صناديق الاقتراع لكي يحدث العزل الجماهيري، إذا كان فعلا الزملاء يثقون في الجماهير. لكن الزملاء لا يريدون انتخابات ولا حريصين عليها. وكما قالت أمال الزين القيادية في الحزب الشيوعي لجريدة (الجريدة) قبل يومين أن الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وبعض لجان المقاومة سوف يكونون مركزية لقيادة للثورة. الزملاء ألان في حالة عشق جديد مع التيار الفكري للتروتسكية. كما أصبح الزملاء يرددون نفس الحديث الذي يقال في الايفات وClubhouse بدخول اعداد هائلة من الأجانب وغيرها الأمر الذي يؤكد أن الزملاء غرقوا في شبر ماء ويجب على الزملاء أن يقرأوا عن كيف استطاعت الشعوب أن تصل للديمقراطية ليست برؤية حزب واحد ولكن من خلال تراضي مجتمعي عام. نسأل الله لنا ولهم حسن البصيرة.