هذا عنوان لأعذب (مدحة) وأبهي نظم عقد جميل المنظر من كلمات وجمل أشرف علي جمع حبات ماس حروفه ولحنها العابد الزاهد العاشق للمصطفي صلي الله عليه وسلم، هو الراوي المخضرم المادح الشيخ الماحي بن محمد بن الشيخ أحمد بن عبد الله الذي ولد في قرية (الكاسنجر) وهي معقل ديار الشايقية، برغم أن البيت الذي نشأ فيه الماحي كان بيت دين إلا أنه في باديء الأمر سلك طريق الغناء بالطنبور وبرع في ذلك وذاع صيته آنذاك.
ذات مرة أتى شيخ الماحي صباحا وجد والدته تهز لبنا لاستخراج الزبدة منه فسألها لبنا، أعطته فشرب قليلا منه وأكل معه (بلحات) وكان حينها قد أتى من حفل كان يحييه، شعر برعشة تهز كيانه ووجدانه، لم يتمالك نفسه حينها فكسر (طنبوره) وحلق شعر راسه ومن هذا الموقف تغيرت حياته واعتزل الغناء ولعله حكي هذه الواقعة في قصيدته (عيب شبابي الما سرح) حينما قال :
عيب شبابي الماسرح.. والله لاب شوقا جرح
قام العبيد من نومو صح.. لقا جنبو لبنا قدح
شفي وشرب زين اتنتح.. حمد الإله حالو انصلح
جد في السؤال لي ربو لح .. قال ياكريم بابو انفتح
اعطوه تفاحات بلح.. حين ذاقا قال دماغو فتح
زاد ليهو الجليل قلبو انشرح… طاب قلبو مسرور بالفرح.
هذه القصيدة العصماء التي اسرد جمالها هنا والتي خطها الماحي تعتبر من عيون شعر المديح السوداني، سجلت في الإذاعة السودانية بصوت أولاد حاج الماحي ومن بعده شارك الأداء فيها عدد من المادحين ابرزهم خالد الصحافة الذي ساعده صوته الشجي في إضافة ألق جمالي فريد وانجذاب وجداني وصوتي للمدحة، طريقة قرض شعر المديح عند الشيخ الماحي تتسم بسهولة الأسلوب واستخدام مفردات منطقة الشايقية وبعضا من اللهجات السودانية وفي مجملها عبارة عن مزيج مابين الفصحي والعامية، هذه القصيدة يبدو أنه حينما كتبها كان في حالة تجلي عجيب وانجذاب نحو الاقطاب المحمدية الطاهرة ، إتخذ الحروف الهجائية فيها بداية ومدخلا لكل بيت، وصفا راقيا لحبيبنا وشفيعنا رسول الله مليار صلاة عليه وانشد :
بالألف.. الله ربي اللطوفو… بالباء بهلو الأسرار في جوفوا… بالتاء تواني مسكو العسوف.. بالثاء تناياه برق عطوف … بالجيم مجمل سمحات وصوفو… بالحاء حيالو ضرع العجوف…. بالخاء لخلقوا بنظر بشوفوا… بالدال دويا للصايبو جوفوا .. بالذال لي ذكرا شاع في الخيوفو… بالراء رؤفا للناس عطوفو.. بالزين لي زيا يكوي العكوف.. بالسين يساعد للكان لهوفو.. بالشين شفاعتو يوم الوقوفو.. بالصاد صحابتو شايلين سيوفو ..
ياله من سرد وإبحار في أغوار الحروف الهجائية ساقنا بها هذا الشيخ المبدع سوقا جميلا وسلسا كأنه يقدم لنا درسا راقيا ومفيدا في وصف خير الوري، فكرة النظام الإيقاعي في شعر الماحي تقوم علي فكرة تعدد الضروب الإيقاعية والجمالية ذات الموازين البسيطة والمركبة بدون إخلال واستعماله منهج السهل الممتنع وقد ظهرت هذه المدرسة جليا هنا:
بالظاء يظلوا الغيم رفوفو… علامتو فوق الكفوفو …. بالغين غفرلو وأمن لخوفو… بالقاف قفل باب الخسوفو … بالكاف لي كفا ينبع سروفو .. باللام لماهو يارب نشوفوا.. بالنون نروح لي ذاك غوفو نهاجر ونسعي ونطوفو … بالواو ولا من آخر الحروفو… بالياء يمينو يكرم ضيوفو
الراوي العاشق الشيخ الماحي في هذه القصيدة أظهر واعترف بشوقه للرسول الأكرم وتمني وسأل الله أن يهبه الوسيلة التي يزور بها الحبيب المصطفي حاجا أو معتمرا ليصلي في روضته الشريفة وأمام قبره ، عبر عن ذلك في كلمات لحنية ذات جمل بسيطة وتعبير فريد جاذب ووصف عجيب تتناسب مع مضامين النص الشعري في النظم وتلبسه القميص الرائع
ختم قصيدته وقال :
ياربي سألك تقبل لي مطلب… تعطيني جملا كبيبي أصهب… مو الدون قصير وماهو المشقلب اصهب بشاري طابع مؤدب.. صدرا مفجج في شوفتو ترغب سرجا سناري محكوم مذهب والفروة مركب اتنيها واركب.. إن ردت تاكل وإن ردت تشرب هواي ومناي في ام سور وكوكب.. القبة خضرا ونساما هبهب نوصل نزورو في شفاعتو نكتب.
الله الله.. عليك ياشيخي الجليل الماحي يامن نظمت الدرر في وصف وحب من أحب وتحب ونحب، الله عليك يامن جعلتنا نشتاق للحبيب زيارة والاكثار له صلاة، برغم أن هذه القصيدة كتبت تقريبا قبل سنين كثيرة عددا لكنها لا زالت خالدة حتي يومنا هذا يترنم بها المادحون ويبحث فيها الباحثون ، أولاد حاج الماحي ابدعوا فيها دندنة بالطار وجمال أصواتهم وحضورهم المسرحي البديع، الفخيم الرخيم صوتا المبدع المادح خالد الصحافة ادخل عليها المسحة الموسيقية، دمت خالدا بيننا أيها الشاعر العظيم حسان بن ثابت السوداني وبوصيري السودان فأنت في قلوبنا وعقولنا مع الخالدين وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ، صلوا عليه.. وزيدوه صلاة .