يحكي قديما أن عمدة من عمد الإدارة الأهلية بلغ من العمر عِتيا، ظل في وضع الجلوس وقلة الحركة ليس فيه عضو نشط إلا لسانه، عندما ينوم يتغابي عمن يسمع فالذي يريده يصحي له والذي لا يريده (يعمل فيها رايح)! حبه لسلطة حكم القبيلة جعله لا يتنازل لأحد غيره حتي أبناءه، ذات مرة أتوا إليه مجموعة لديهم مشكلة يريدون حلها، صاحوا له ولم يهتم بالأمر، فأتت ابنته وقالت لهم : “كدي عندي طريقة بعملا بيصحي طوالي”، ذهبت إليه وقالت له : (أبًّا.. ناس البوليس ديل جوا قالوا دايرين اشيلو منك العمودية) فقام علي طوله من سريره وقال لها: (قلت شنو؟ جاييهم هسي) !.
كثير منا يقولون: إن الجري الأعمي وراء القبلية دون الوطن والمصلحة العامة نتن، لكن أعتقد جازما أن هنالك صفة أنتن من هذه وهي السلطة السياسية، ظهرت هذه الصفة بصورة واضحة في هذه البلاد، صارت الممارسة السياسية تعتمد علي أساليب (الوكادة) والتشفي والإقصاء بل وصلت مراحل سافرة في (النتانة) وهي العمالة التي اعترف بها أصحابها جهارا نهارا وعلي مسمع ومشاهد علي الهواء مباشرة وخلف الشاشات البلورية لبعض الذين يدعون أنهم قيادات وناشطون.
فشلت كل الحقب السياسية قي السودان لأنها اتبعت منهج الإقصاء والنيل من الرأي الاخر وعدم السماع له، ولعل آخر حقبة هي حقبة حمدوك الذي أظهر في منهجه هذه المقعدات التي تسببت في فشله وذهب غير مأسوف عليه هو ومن معه، وصل به الحد أن أدخل بعض أهل الرأي الآخر السجون بتهم لفقت لهم حين ليل واصبحوا في السجن منهم من براته المحكمة ومنهم من ينتظر ، حمدوك إعتمد علي فئة إستلمت السلطة وتشبثت بها لدرجة عجيبة وعندما سقطوا ظلوا يبذلون قصاري جهدهم لكي يرجعوا مرة أخري ولا زالوا.
هذه الممارسات النتنة تطورت ليس من النيل ممن يخالفونك الرأي من الجهات التي تعاديك فحسب بل انتشرت حتي داخل الجهة السياسية الواحدة فهذا لايريد أخيه وهذا يقرب هذا وهذا يقصي هذا ، مرض للأسف الشديد صار ظاهرا لا يخفي علي الناظر ولا المستمع ولا المشاهد، تفرقت كلمتهم ووهنت قناتهم جراء هذه الممارسات القبيحة، أحزاب أصبحت ليست علي قلب رجل واحد صارت متفرقة السبب هو حب وتملك المنصب أو السلطة ، هذه الممارسات الخاطئة لعمري تؤدي إلى الفشل وذهاب الريح وثبات الاحتقان الذي لا يحمد عقباه.
هنالك من يدافعوا عن اشياء يعتبرونها جوهرية وربما يحملون لتنفيذ هذه الاشياء السلاح ويتمردون علي من يحكم وعندما يأتون إلى السلطة ينشغلون باللهث والتهافت عليها وينسون ما رفعوا السلاح من أجله وهذا ما يحدث الآن.
إن لم تصفو النفوس وتقبل بعضها البعض وتستمع للرأي الأخر وتحترمه يحدث الإقصاء ، ويؤدي ذلك إلى الكراهية فتصير حرب نارها هي هذا يكيد لذلك وذاك يضمر حقدا للآخر وفي النهاية تتفرق رماح الجهود احادا ويتوسخ ويتعفن المنهج السوي الذي تواثقوا عليه من قبل وتكثر الصراعات ويضيع الوطن ، رجاءا .. دعوا هذه الممارسات فإنها نتنة .