• يوم أمس كنا جلوساً مع أخٍ عزيز ماتت زوجته بعد صبرٍ ويقين مع المرض.. شاع خبر موتها في الأسافير وتبارى الأصدقاء والمعارف في تقديم واجب العزاء في الخيمة الإسفيرية (بقروبات) التواصل الإجتماعي.. وأنفق آخرون من فضل الله عليهم وساهموا في (دفتر العزاء البنكي) وحرصوا علي تأكيد دفع (الشيرينغ) بتوثيق العلامة الخضراء !!
• ما أحزنني حقاً أن الذين حرصوا علي الحضور الوجداني لتقديم العزاء كفاحاً، كانوا قلة تنادوا متفرقين لمواساة أخيهم المكلوم في زوجته الراحلة..
• غاب الذين لطالما اهتزوا اعجاباً بمقالاته العميقة ولغته الساحرة والأنيقة معاً في الكتابة والحكي المدهش..
• وحدهم أصدقاء الدائرة الضيقة منه كانوا هناك.. يواسونه بلسان الحال لا المقال.. ويتقاسمون معه فجيعة الحزن وعظم الفقد الجلل ..
• إنه زمان النفاق الإسفيري !!
• يظن بعضهم أن رسالته ومشاركته بلصق عبارات باردة ومكرورة ومثلجة علي خبر الوفاة يكفيه تبعة تكبد مشاق الحضور عياناً إلي خيمة العزاء.. والمحزن أنّ كثيرين منا لايكلفون أنفسهم مهاتفة عضو القروب لمشاركته لحظات الفرح أو الحزن وهو معنا في قائمة المجموعة برقم هاتفه.. ومع هذا نتكاسل عن التواصل معه فرحين أو معزين !!
• لقد أفسد عصر الواتساب والفيس بوك متعة فرح الدواخل وراحة الضمير عندما نذهب لعزيزٍ في قلب المدينة أو أطرافها نصافح وجهه الحزين.. نربت علي كتفه.. نضمه إلي صدورنا.. يبكي في أحضاننا.. يبكي ويتنهد لأنه يري فينا عزيزه الذي مات وغاب عن الدنيا إلي الأبد ..
• كثيراً ما نتكاسل عن مواساة أقاربنا وأصهارنا وعشيرتنا.. نتأخر عن مواساتهم كفاحاً ظناً منا أن رسالة العزاء أو التحويل البنكي لدفتر الواجب يكفي عن المشاركة جسداً وروحاً وترفع عنا عتاب الغياب وتجنب مشقة أداء واجب الرحم وتبعات الإخاء والزمالة !!
• لماذا لانتذكر أن وسائل التواصل الإجتماعي ماهي إلا وسائط مادية جافة.. لاروح لها ولا مشاعر حيّة.. مشاعر لا تُعاش.. ولا تُحكي !!
• يمكن لك أن ترسل مئات رسائل المواساة لصديق فقد عزيزاً لديه.. يمكن لك أن تشاطره بعشرات (الإيموشنات) لاضفاء مزيد من النفاق الإسفيري علي مشاعرك.. يمكن لك أن تفعل هذا في أقل من دقيقة ثم تعود للجدال والنقاش في القروب وكأنّ شيئاً لم يحدث!!
• صحيح.. وأكيد (كل الناس حاكماها ظروف).. ولكن تبّاً للظروف التي تجعلك تفضل رسالة المواساة الساهلة والجافة.. وتستصعب تكبد مشاق واجب فاتحة العزاء.. ولمسة المواساة الحانية !!