بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
تسارعت الأحداث في السودان من أجل حل الأزمة السياسية السودانية، من خلال حدثين: الأول كانت جلسة حوار الثلاثية الدولية التي قاطعتها بعض القوى السياسية المؤثرة في الشارع، والثاني جلسة التفاوض بين وفد من قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري. والتي رتبت لها مبعوثة وزارة الخارجية الأمريكية مولي في والسفير السعودي، وبالفعل أن حالة الاحتقان السياسي الجارية في البلاد تحتاج لعصف ذهني لعقل يكون خارج دائرة الأزمة الجارية، لذلك ليس غريبا أن تقدم المبعوثة الأمريكية مبادرة لالتقاء بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، هو لقاء تفاوضي كامل الدسم (إذا سمي لقاء غير رسمي أو تفاكري) وعندما بعثت الولايات المتحدة مولي في كانت على يقين أن الأزمة في السودان تحتاج لشخص لديه خبرة في إدارة الصراع تحدث أختراقا في جدار الأزمة. ولذلك جاءت مبادرتها بالقاء بين وفد الحرية والتغيير والعسكري بهدف كسر الحاجز النفسي السائد الذي صنعته الاءات الثلاثة، والتفاوض ليس التنازل عن المبادئ.
كان المتوقع: أن قوى الحرية والتغيير هي التي تقوم بإحداث هذا الاختراق دون أي مبادرة من جهة خارجية، لكي تستطيع هي أن تدير الأزمة بالصورة التي تحقق الأهداف الوطنية، وكانت تعلم قيادات قوى الحرية أن اللاءات الثلاثة هي صناعة قوى سياسية وهي نشرتها في الشارع الغاضب من الانقلاب، والهدف منها هي أن تعطل كل مبادرات تأتي من القوى السياسية الآخرى، حتى يتثنى لها أن تدير الأزمة السياسية بالصورة التي تحقق بها مكاسب حزبية ضيقة. والغريب استكانت القوى السياسية لذلك، الأمر الذي جعلها تعطل التفكير في استخدام العقل لإحداث أختراق في الأزمة.
الكل يحترم النضال المستمر والمتصاعد للجان المقاومة في كل مدن السودان، والتي دفعت فيه مهرا غاليا من الدماء للوصول للدولة المدنية الديمقراطية، ومهمة القوى السياسية ان تستفيد من هذا النضال، واداة الضغط القوية من قبل الشارع، وتحول المطالب إلي إنجازات. وبالتالي أن القوى السياسية هي التي يقع عليها عبء إدارة الأزمة، وهي التي تحدد أدواتها، وهي التي تفرق بين العمل الاستراتيجي المطلوب والتكتيك الذي يخدم الوصول للهدف. أن أقدام قوى الحرية والتغيير للتفاوض حول الأزمة وتقديم رؤيتها يجب الوقوف معها في صف واحد وفي المقدمة، وتأييدها بقوة.
أن مقولة طه عثمان في المؤتمر الصحفي، وكررها ياسر عرمان، أن قوى الحرية والتغيير تريد إنهاء الانقلاب، ولا تريد العودة لمرحلة ما قبل الانقلاب، مدخل قوى لإقناع الشارع أن الخطوة القادمة هي تأسيس نظام جديد يشرع بصورة مباشرة في تكوين مؤسسات عملية الانتقال التي تتطلب الفصل بين السلطات، وأن يكون هناك مؤسسة تشريعية هي المناط بها العملية التشريعية ومؤسسات عدلية قوية والمفوضيات المطلوبة للانتخابات والخدمة المدنية والاسلام والعدالة الانتقالية، والشروع في تفكيك دولة الحزب لمصلحة التعددية السياسية وفقا للقانون وبرعاية من مؤسساته العدلية. وأن لا تتهيب القيادات من الدخول في صراع سياسي بين القوى الديمقراطية والتي لا ترغب في الديمقراطية والتي تناور.
أن عملية الانتقال والتحول الديمقراطي من أصعب مراحل العمل السياسي في المجتمعات التي تريد أن تنتقل من الشمولية للديمقراطية، حيث كل قوى تحاول أن تفرض شروطها على الآخرين بشتى الصور، باعتبارها هي الوصي على العملية السياسية، ويجب الانصياع لها بالصورة الكاملة، رغم أن تجارب السياسية في السودان منذ انقلاب عبود، وكل النظم التي جاءت بعده، أكدت أن واحدة من أسباب الفشل السياسي في البلاد هي إدعاء الوصايا. ويجب على القوى السياسية أن تدرك أن الديمقراطية مهمتها أن تنظم هذا الصراع من خلال مواعين تستوعب هذا الاختلاف وأحترامه، والصراع في الديمقراطية رغم ثقل الكلمة لكنه هو الذي ينتج الثقافة الديمقراطية ويخلق الوعي المتجدد في المجتمع. أن خطوة قوى الحرية والتغيير خطوة يجب تأييدها دون تحفظ.
في المؤتمر الصحفي الذي عقدته قوى الحرية والتغيير بعد جلسة المفاوضات مع المكون العسكري، ضيع طه عثمان وياسر عرمان وقتا كبيرا في حديث تبريري حول اللقاء وقضايا متعلقة بمسيرة العملية السياسية، وعدم اصطحابهم للجان المقاومة وغيرها. هذا التبرير غير موفق. لآن التفاوض حق طبيعي أن تقدم عليه قوى الحرية والتغيير، ومادام هي مقتنعة بإنها تقود عملية التحول الديمقراطي في البلاد، هي التي يجب أن تبادر، وهي التي تحدث أختراقا للأزمة، ولا تأخذ إذن من أحد، وهي التي تقدر الموقف وكيفية التعامل معه، ولكن يجب عليها أن تفتح حوارات على منابر عديدة تبين فيها وجهة نظرها، لكي تنقل الناس من حالة الجمود السياسي إلي انفتاح جديد، يستطيع فيه الناس التفكير بعقلانية، وهي تعلم أنها سوف تواجه حملة شرسة، ولكن عبر الحوار مع الأخرين المؤيدين لعملية الديمقراطية تستطيع أن تحقق الأهداف، وسوف تنتصر. وتعلم لن ترضي عنها القوى التي تريد أن تتسيد الموقف لوحدها. ختاما لا نتردد في الوقوف مع كل الذين يناضلون من أجل الديمقراطية ويستطيعون إحداث تحول جديد في المشهد السياسي لمصلحة الديمقراطية. ونسأل الله حسن البصيرة والتوفيق.