سبق لنا ومن خلال هذه المساحة، أن تناولنا خطورة الشائعات، وتوظيفها في محاربة الخصوم، ونوّهنا إلى أنه ليس أخطر على مجتمعنا في الوقت الحالي، من العمل على تفيككه وهدمه بأقذر وأخطر الأسلحة الفتّاكة في هذا العصر؛ وهي أسلحة الشائعات، والأخبار المصنوعة أو الزائفة، على الرغم من أن عوامل وحدة شعبنا متوفرة من خلال التاريخ المشترك، واللغة التي تربط بين أبناء السّودان من أقصاه إلى أقصاه، إضافة إلى الدين الذي شكّل وجدان شعبنا العظيم، ووحّد وجدانه، ليصبح أهم مكوّن للثقافة، وهذا ليس بالضرورة أن يكون كُلّ أفراد الشّعب متديّنين أو لا دينيّين، لكن الدين يصبح هوية جامعة لكل الشّعب.
لغتنا التي نتحدثها لا تعتبر رابطاً محلياً يربط بيننا فقط داخل السّودان، لكنها لغة تربطنا بآخرين، أي أن لها بعدها القومي العربي، مثلما لها بعدها العالمي على إعتبار أنها لغة القرآن الكريم.
وغير هذا وذاك فإن سلاح الشائعات قد يستخدمه أعداء الوطن، أو الخصوم الجهلاء – دون وعي منهم – في تدمير البلاد، والتفريق بين أبناء الوطن الواحد، وفقاً للتقسيمات الجهوية، أو خارطة الوجود القبلي على الأرض؛ أو التشدّد والتطرّف والإنتماء الحزبي الغبي الذي لايقبل الآخر .
سبق لي أن إتفقت والأستاذ عادل سنادة، أن نتبنّى من خلال منتدى السودان للتنمية الثقافية والإعلام، الذي أتشرّف برئاسته، ويتولى الأستاذ سنادة مسؤولية أمانته العامة، سبق أن إتفقنا على ترتيب وتنظيم ورشة عمل لزملائنا من شباب الصّحافة والإعلام، حول دور هذه المهنة الرّسالية في حماية مشروع الديمقراطية والتنمية، حتى نصنع التغيير الحقيقي، رغم التحدّيات التي تواجه المهنة، وتواجه وصول الرسالة إلى الآخرين والتأثير عليهم ، وقد بدأنا بحمد الله في الإعداد لتلك الورشة، لكننا رأينا بعد أن تدارسنا الأمر مع عدد من زملائنا في المنتدى، وآخرين من الخبراء والعلماء والمختصين، رأينا أن تكون البداية ورشة عمل حول دور الإعلام في مناهضة خطاب الكراهية، والذي إستشرى وأصبح يمشي بين الناس، وتمشي حوله الفتن والبغضاء والحروب.
تدارسنا الأمر جيداً ، ورأينا أن يكون أمر الورشة بالتعاون مع المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية، وحدّدنا أن يكون الخبراء وأهل الإختصاص هم أصحاب الأوراق المقدمة في الورشة، وفي مقدمتهم أستاذنا وأستاذ الأجيال الخبير الإعلامي العالمي البروفيسور علي شمو ، والدكتورة بخيتة أمين ، والدكتور عبدالعظيم عوض ، ومن الشباب الأستاذ عبود عبدالرحيم، مع فتح الباب بعد ذلك لكل من يريد الإسهام برأي أو بفكرة أو مقترح من خلال جلسات الورشة التي حدّدنا لها بالإتفاق مع معدي أوراق العمل والأمانة العامة للمجلس، أن تكون في يومي الإثنين والثلاثاء الثالث عشر والرابع عشر من يونيو الحالي.. وأجرينا إتصالاتنا وقدمنا الدعوات للدفعة الأولى من شبابنا في الصحافة والإعلام ، لتنطلق أعمال الورشة بقوة دفع لم نتخيلها، ولتحقق نجاحاً فاق تصوراتنا، وتصورات المشاركين، وإجتذبت الدكتور جراهام عبدالقادر وزير الثقافة والإعلام المُكّلف، والذي قدم طرحاً علمياً وموضوعياً لم يكن غريباً عليه، فهو نموذج للمثقف السوداني العصري، الذي يعرف دوره ورسالته.
خلصنا إلى أن نستمر في ذات النهج ، بل إلتزمنا بأن تكون الخطوة الثانية هي دورة تدريبية حول ذات الموضوع ، وحول موضوعنا الأول وهو الشائعة وأثرها في تدمير المجتمعات، على أن يكون عدد المشاركين فيها ضعف الذين شاركوا في الورشة الأخيرة ، وقد تجاوز عددهم الأربعين من مختلف الأجهزة المسموعة والمرئية والمقروءة ، ومن الإعلام الحديث والمواقع الإلكترونية .
سألنا أحد زملائنا الشّباب عندما طرحنا الفكرة، عن الدوافع لإختيار الشائعة موضوعاً لتلك الدورة، فذكرنا له، إن الإشاعة هي الخبر المزيف أو الأخبار الزائفة ، التي تنتشر بشكل سريع في المجتمعات ، ويتم تداولها بين العامة ظناً منهم بصحتها، خاصةً إذا ما كانت تلك الأخبار قد جاءت مُتْقنة، وشيقة ومثيرة لفضول عامة الناس، وإذا كانت متّصلة بقضايا عامة مثل قضايا الحكم وتكاليف المعيشة ، أو كل ما يهم عدداً كبيراً من النّاس .
قد إتفقنا على أن بلادنا الآن في أمس الحاجة إلى مثل هذه الأنشطة ، لتنامي خطاب الكراهية، وإنتشار الشائعات في مجتمعنا ، وتعرف النُخب أنها بعيدة كُلّ البعد عن الحقيقة ، لكنها تخدم أغراض مروِّجيها ، وصانعيها ومُطْلقيها ، للتأثير على الرأي العام ، وإتفقنا أن يكون موضوع الدورة التدريبية متّصلاً في ذات الوقت ، بصناعة الرأي العام ، مثلما كان موضوع الورشة التي منحتنا الثقة كثيراً في أن شبابنا من الإعلاميين مازالوا بألف خير .
Email : sagraljidyan@gmail.com