بقلم: د. أسامة الأشقر
رحل اليوم إمام جامعة الصحراء في بادية كردفان، رحل إمام التلاوة، وشيخ القارئين ، ومعلم الأجيال، رحل الشيخ الذي انقطع للقرآن.
وعاش له أكثر حياته التي بزغ فجرها في منتصف عشرينيات القرن الماضي، رحل عن عمر كاد أن يقارب مائة عام.
بل هو فيها بالتقويم الهجري منذ أكثر من سبعين عاماً وهذا الرجل منقطع لتعليم القرآن في بادية شمال كردفان.
افتتح خلوته الصغيرة عام 1947م ببضعة فتيان في قريته قرب الدفينة في محلية أم رُوابة، واليوم يزيد طلابه عن ستة آلاف.
في واحدة من أكبر المجامع الصحراوية لتعليم القرآن ، يتفرغ فيها الطلاب تماماً ينامون ويأكلون ويشربون ويعملون هناك في نظام دقيق .
يرفض الشيخ محمد أحمد أبو عِزة الظهور للإعلام ويغطي رأسه إذا حاول أحدهم صيد لقطة له مع أحد المسؤولين.
وكل اللقطات المنشورة له أخذت بالسر مستغلين ضعف قدرة الشيخ على الإبصار ! كان زاهداً متواضعاً يعمل بيده على خدمة تلاميذه.
ويشرف على إطعام طلابه وضيوفه بنفسه، ويدير الخلوة بمساعدة ولده الشيخ عبد الله ومريديه وحيرانه ومقدَّميه بطريقة تستحق التدوين المفصل !
يتقاطر عليه أهل البذل والإحسان من كل صوب، يحملون إليه حاجات خلوته الجامعة عيناً ونقداً، ويتنافسون في البذل والعطاء في صفوف متتابعة تبدأ بالسلام عليه وطلب الدعاء منه.
ويجعلون كل ذلك عنده في استحياء بالغ، حتى يأمر الشيخ بتصريفها في الحاجات والصدقات لعائلات تلاميذه الذين أودعوا أولادهم عنده يأتيهم الفتى الصغير لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم شيئاً ويتخرج عندهم بعد سنوات تطول وتقصر حافظاً عالماً عارفاً بأصول الحياة ويمتلك مهنة بيده !
الناس من حوله يرون في هذا الرجل شخصاً عظيم البركة والهيبة حتى إنهم ينظمون مواعيد السلام عليه والجلوس معه وحركته في طقوس لها قواعدها الدقيقة لضمان راحته وعدم إرهاقه!
رحل هذا الشيخ، وترك ميراثاً عريضاً لظل السماء في الأرض، نرجو من الله أن يتقبله في منازل الصديقين بما عمل وأحسن، وعزاؤنا لابنه وخليفته الشيخ عبد الله وأسرته الكريمة وجميع محبيه وطلابه !