وضعَ الدكتور التجاني سيسي محمد أتيم، الإقتصادي والسياسي المعروف والباحث ، والأستاذ الجامعي، وضعَ لبِنةً مهمّةً وعظيمةً، في مسار التوثيق للحياة السياسية في بلادنا؛ وذالك بأن أصدر مذكّراته في كتاب من جزئين، بعنوان (مواقف وأحداث) ، أما كتابه الأول أو الجزء الأول من هذه المذكّرات، فقد صدر بذات العنوان، مع عنوان فرعي شارح ليكون (مواقف وأحداث … دارفور بين مطرقة الإضّطراب الداخلي ، وسندان التدخل الأجنبي) ؛ بينما صدر الكتاب الثاني بذات العنوان ، مع عنوان فرعي شارح ليكون (مواقف وأحداث … من دارفور والدوحة) وهما أحدث ما صدر من كتب سياسية هذا العام .
(مواقف وأحداث) بجزئيه الأول والثاني ، سيتم تدشينه خلال الأيام القليلة القادمة ، وتشرّفت بأن أهداني الأخ الكريم الدكتور التجاني سيسي ، نسخةً من الجزئين ، ولم أضع الوقت إذ بدأت على الفور في الاطلاع على هذا الكتاب ، الذي أعده من أفضل ما كتبه الساسة عن مسيرتهم في الحياة العامة ، وعن الأحداث التي عاشوها وعايشوها خلال مسيرة حياتهم ؛ ونحن نفتقد مثل هذه المذكّرات ، إذ أن الذين كتبوا مذكراتهم من ساستنا يُعدّون على أصابع اليد الواحدة ، نذكر منهم الزعيم إسماعيل الأزهري وكتابه (الطريق إلي البرلمان) وهو ليس بالمذكرات في معناها المعروف ، وإنما هو كتاب يتضمن اللوائح والأعراف والضوابط التي تقود إلى البرلمان ، وعمل لجانه .
وهناك مذكّرات الراحل محمد أحمد المحجوب ،ثم و مذكرات خضر حمد ، وإبراهيم منعم منصور ، وأحمد محمد يسن ، وقلة قليلة ، رحمهم الله رحمة واسعة وعفا عنهم وغفر لهم .. لكن هناك بعض الكُتّاب الذين حاولوا التوثيق للمدن والأشخاص والأحزاب ، وهؤلاء نسبياً أكثر من أولئك الساسة الذين كتبوا مذكراتهم ، لكن بصدور كتابَي الدكتور التجاني السيسي ، تزداد مكتباتنا وتزدان بكتابين مهمّين ، لعب مؤلفهما أدوراً سياسيةً وإقتصاديةً وإجتماعيةً في مسيرة بلادنا ، وصناعة الأحداث فيها ، فالدكتور التجاني سيسي ، تخرج في كلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم يحمل البكالوريوس بدرجة الشرف عام 1979 م ، وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة لندن عام 1984م ، وعمل محاضراً بجامعة الخرطوم من العام 1984م إلى العام 1986 م ، ثم شغل منصب وزير المالية والإقتصاد في إقليم دارفور لمدة عامين ، من 1986م إلى 1988 م ، ثم حاكماً بعد ذلك لإقليم دارفور لمدة عام ، ليعمل بعد ذلك باحثاً أول في جامعة (ميد لسكس) لندن من العام 2001 م الى العام 2004 م ، فمستشاراً للمفوضية الإقتصادية للأمم المتحدة ، بأديس أبابا من العام 2005 م إلى العام 2010 م ، ليأتي بعد ذلك رئيساً لسلطة دارفور الإقليمية في الفترة من 2011 م وحتى 2016 م ، وكان عضواً بالمجلس الوطني من العام 2015 م وحتي 2019 م .
في الجزء الأول من مذكراته نجد السيسي يكتب عن سلطنة دارفور وإدارة دار ديما ، وعن ميلاده ونشأته وتعليمه وإنتقاله للدراسة في جامعة الخرطوم ، ويكتب عن فترة الديمقراطية الثالثة ، ثم الأوضاع الأمنية وترديها في دارفور ، والتدخّلات الليبية في تشاد ، وأثر ذلك على السودان إلى أن ظهرت بوادر الحرب في دارفور ، والموقف الإقليمي والدولي من أزمة دارفور .
ومن تلك المواقف جاء البحث عن الحل السياسي للأزمة ، وهو ما يتضمنه الكتاب الثاني ، منذ مرحلة ما بعد أبوجا ، وقيام منبر الدوحة لسلام دارفور ، وميلاد حركة التحرير والعدالة ، والمفاوضات المباشرة بين الحكومة والحركة ، إلى العودة الطوعية وما بعدها .
شخصياً ، أتوقع أن تُحْدِث مذكرات الدكتور التجاني السيسي ، أثراً كبيراً في ساحة العمل السياسي والبحث حول أزمة دارفور ، وربما تُشجّع آخرين أن يحذوا حذو الدكتور التجاني السيسي.. لكنني أتمنى من كل قلبي أن يجتهد كل سياسي فاعل ومؤثر ، في أن يسجّل تجربته كاملة غير منقوصة في العمل العام .
Email : sagraljidyan@gmail.com