بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن إلقاء خطاب في منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بأسم السودان كانت تمثل تحدي للبرهان، لسببين؛ الأول أن يؤكد لنفسه وللذين يدعمون موقفه أنه مايزال يمثل السلطة التي بيدها القرار. الثاني أن فكرة قبول المجتمع الدولي وخاصة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أن يلقي خطاب السودان، تعني له أن هناك مساحة متوفرة للتكتيك والمناورة يستطيع أن يتحرك فيها. ومعلوم أن أي خطاب يلقى من هذا المنبر لمسؤول يتحدث عن العموميات، لكنه يفتح له منافذ أخرى مع الإعلام العالمي يستطيع من خلالها أن يرسل الإشارات التي يريد أن يبعثها، إذا كان للرأي العام العالمي أو لمجتمعه في الدولة المعنية، وبالضرورة هي سوف تكون رسائل ذات محتوى أعلى في الشأن السياسي.
برتكوليا وسياسيا لا يستطيع ممثل الدولة أن يجري لقاءات صحفية ومقابلات إعلامية قبل الخطاب، باعتبار أن الخطاب هو الذي يحدد مجرى اللقاءات الصحفية القادمة، لذلك تأتي الرسائل الأكثر أهمية بعد إلقاء الخطاب. جاء لقاء البرهان مع رئيس السنغال ورئيس الدورة الحالية للإتحاد الأفريقي ماكي سال في اليوم الثاني بعد إلقاء الخطاب، بمقر إقامته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وشرح البرهان لضيفه أن المؤسسة العسكرية دعت القوى السياسية لتسريع وتيرة الحوار فيما بينها للتوصل إلى اتفاق تراضي لتشكيل حكومة مدنية، لافتا إلى أنها ما تزال في انتظار هذا التوافق. والسؤال يصبح إذا لم تستطيع القوى السياسية التوافق ما هو الإجراء الذي يعقب ذلك؟.
جواب السؤال نجده في المقابلة الصحفية للبرهان مع وكالة رويتر حيث قال البرهان (إنه لم يتم تحديد موعد محدد للانتخابات لكن الجيش لن ينتظر إلى الأبد.) هنا يشير البرهان أن الوقت غير مفتوح، وهي إشارة تدل أن العسكر سوف يشرعون في تشكيل حكومة مدنية مهمتها التحضير للانتخابات. فهل المجتمع الغربي سوف يعترف بذلك، أم له خيارات أخرى. الرد نجده عند وفد البرلمان الأوروبي الذي يزور السودان حاليا. والذي كان قد التقى ببعض أعضاء مجلس السيادة العسكريين حميدتي والكباشي. وأكد رئيس الوفد ديفيد ماكليستر في تصريح صحفي (دعمهم الكامل لمطالب السودانيين في الحكم المدني الديمقراطي وأشار إلى تأييدهم جميع الآليات للوساطة وتسهيل شروع الأطراف السودانية في عملية سياسية، مؤكدا أن الوقت ليس في صلاح البلاد، التي تواجه تحديات وأزمات اقتصادية وسياسية عديدة). إذا الوفد الأوروبي أيضا يؤكد أن الوقت غير مفتوح بل يحتاج للإرادة والإسراع بحل الأزمة. هذا الحديث يتوافق مع شرط العسكر أن يكون تسليم السلطة لقوى متوافقة أو قيام الانتخابات، لذلك نجد طالب الكباشي في لقاء وفد البرلمان الأوروبي، الأطراف المدنية بالانخراط في حوار جاد دون إقصاء يفضي لتوافق سياسي، مؤكدا على ضرورة دمج المبادرات للخروج بوثيقة واحدة تؤسس لقيام حوار وطني. وبالتالي تكون الرسالة للوفد أن يكون لقاءكم مع كل القوى السياسية وليس مع مجموعة أو مجموعتين يتم اختيارهم.
أن الخطابات التي تحمل رسائل تعتبر شروطا غير معلن عنها، لكنها هي تصبح دليل العمل وتحدد مساره، لذلك قال الوفد أنه سوف يلتقي بكل القوى السياسية الفاعلة في الساحة. وهي الممارسة التي تسميها الحرية المركزي بعدم “مخاطبة جذور المشكلة” لأنها سوف تبتعد عن المسار الذي حدده “المركزي” أن يكون إنهاء الانقلاب حوارا بين العسكر و “المركزي” كمرحلة أولى يسلم العسكر فيه السلطة “للمركزي”ثم يخرج العسكر من المشهد السياسي. هذه المرحلة يرفضها العسكر تماما وأيضا ترفضها عدد من المجموعات الأخرى، الأمر الذي يوسع الهوة بين المركزي والمجموعات الأخرى منها الحزب الشيوعي.
عندما قدمت لجنة التسيير لنقابة المحاميين “مقترح وثيقة الدستور الانتقالي” لممثلي المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة وجدت ترحيب من كل الأطراف، واعتقدوا ممكن أن تشكل أرضية للحوار بين القوى السياسية تقود للتوافق بينها، وانتظروا أن تقدم في تجمع للقوى السياسية وممثلي البعثات الأجنبية، لذلك وجهت الدعوة لكل المجموعات التي لها مبادرات أخرى، وقبل تقديمها في القاعة بدأت عملية الاعتراض بأن الوثيقة لم تنص بشكل قاطع عن إسقاط الانقلاب، الأمر الذي أضطر أصحاب الوثيقة أن يكتبوا دياجة سياسية للوثقية جعلها غير متناسقة مع محتوى الوثيقة، ثم غاب عدد من الذين تمت دعوتهم، وحتى لا يقال أن اللقاء قد فشل، سارعت لجنة التسيير في وقت أخر أن تفتح حولها حوارا عاما، ودعت له عدد من ممثلي القوى السياسية، والهدف من الحوار التأكيد أن الوثيقة قد وجدت القبول الذي يمكنها أن تكون هي محور الإجماع، واستغلت القوى السياسية المناهضة “لقوى الحرية المركزي” أن تستغل الحوار لتشن هجوما عنيفا علي الحرية المركزي، بهدف التأكيد للمجتمع الدولي المساند لها أنهم ليس وحدهم في الساحة السياسية، وإذا لم تتوسع فكرة توسيع الحوار سوف يفشل المجتمع الدولي في مهمته. لذلك ليس مستغربا أن يشير البرهان في خطابه أن البعثة الأممية لم تنجح في المهمة التي أوكلت لها، باعتبار أنها لا تملك الفكرة الصائبة للحل، أن إشارات البرهان الهدف منها أن يقبل المجتمع الدولي بالخطوات التي يريد أن يقوم بها تحت مسمى فشل القوى المدنية في التوافق.
أن لقاء وفد البرلمان الأوروبي مع عدد من القوى السياسية وسماع رؤيتها للحل، يؤكد أن المجتمع الدولي لم يهمل شروط العسكر للتوافق الوطن، وعدم استثناء أي مجموعة من حوار التوافق، الأمر الذي يجعل مهمة وفد البرلمان الأوروبي ليست سهلة وتحتاج إلي عصف ذهني. كان السفير الأمريكي جون جودفري حاول أن يجمع أطراف الصراع في حوار في بيت السفير السعودي لكن فشلت المحاولة، وفضل أن يلتقى بالقوى السياسية فرادة ومن بعد التفكير لجمعها على مائدة حوار واحد. واللجنة الرباعية تقوم بدور الاتصال مع القوى السياسية وإقناعها للحوار والوصول لاتفاق يمكنها من الاتفاق على حكومة مدنية للفترة الانتقالية المتبقية، فحراك اللجنة الرباعية هو الذي عطل الحراك للبعثة الأممية.
الغريب في الأمر أن اختلاف القوى السياسية والصراع الدائر بينها، أدى لغياب للقوى المدنية الأخرى التي كانت فاعلة في بدايات الثورة وبعد تشكيل الحكومتين السابقتين، وتعقيد الصراع جعلها على هامش الفعل السياسي. لكن السؤال هل أغلبية القوى المدنية تفضل حل المشكل أم أن خلاف القوى السياسية يجعلها هي المستفيد الأكبر. أن المجتمع الغربي يعتقد أن ضعف الثقافة الديمقراطية في السودان يشكل أهم عقبة لعملية التحول الديمقراطي، لذلك لا يبخل بالدعم من أجل قيام الورش المختلفة والندوات وغيرها، وهي تشكل فاعلية أكبر لتلك القوى المدنية، والتعقيدات المتواصلة تحتاج إلي قيام ورش أكثر وفاعليات، وبالتالي غياب المجتمع المدني سببه تعدد الورش المختلفة، فحل المشكل ربما يؤدي إلي تقليص هذه الورش أو أن المؤسسات الحكومية هي التي تزاحمهم في هذه الورش، فالمجتمع الدولي رغم أنه يحاول جادا تزليل العقبات لكنه أيضا يعقدها من جانب أخر.
أن الحوار الذي عقدته لجنة التسيير ودعت إليه القوى السياسية، رغم أنه كان حوارا ابتعد عن الوثيقة وأخذ منحى الهجوم على “الحرية المركزي” كانت لجنة التسيير تواصل فيه، لآن الاجتماع الأول والثاني سوف يخرج كل النفس الساخن من داخل الجميع ولم يبق سوى الرجوع للحوار الموضوعي الهادف لكيفية الخروج من هذا التحدي أن تتوافق القوى السياسية على الوصول لاتفاق على تشكيل حكومة من اشخاص لهم خبرات ومعلوم في الإدارة عالية في مجال تخصصهم إلي جانب وعي كامل بالعملية السياسية يستطيعون أنجاز مهام الفترة الانتقالية، وتذهب الأحزاب لكي تطور وتحدث نفسها، وتستعد لفترة الانتخابات، أن خطوة لجنة التسيير خطوة موفقة إذا استطاعت أن تواصل في العملية الحوارية. ونسأل الله حسن البصيرة.