بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
كان بالأمس الحديث عن التسوية السياسية يصنف قائله من سدنة النظام السابق، باعتبار أنه حديث لا يصب في مجرى الثورة وشعاراتالثوريين، رغم أن أهل الفكر السياسي يؤكدون أن التعقيدات الكثيرة لأي قضية سياسة لا تحل إلا عبر التسوية السياسية إذا كان ميزانالقوى متقارب بين الجانبين، وكانت التسوية تأخذ مجراها بفاعلية نشاط الوساطة وخاصة الرباعية، بدأت التصريحات بالنفي عنها، ولكنهاأخذت حيزا كبيرا في ” The Sudanese social media” والأخبار والموضوعات التي تخرج من دائرة الإعلام هذه تحتاج لتدقيق، لأنهاتضاف إليها كمية كبيرة من البهارات تغير طعمها الأساسي. لكن لأي خبير سياسي عندما تكون هناك وساطات دولية مثل الرباعية والثلاثيةالتي تتبع لدول لها مصالح في السودان وهيئات دولية يتيقن أن الحل لا يتأتى إلا عبر تسوية سياسية، لآن قبول الوساطة بطريق غير مباشرهو قبول طرق التسوية، و الشعارات التي تطلق في الهواء ليست هي التي تحدد مسار الحل، أنما هي تهدف فقط لرفع سقف مطالب عندماتبدأ عملية التسوية السياسية. لذلك نجد أن الحرية المركزي والعسكر استطاعا أن يوظفا مقدراتهم التكتيكية لأقصى حد ممكن للوصولللأهداف المرجوة.
أستطاعت الحرية والتغيير المركزي أن تحدث أختراقا للأزمة من خلال ثلاث أعمال قامت بها. الأول عمل ورشة للتقيم النقدي للفترة الانتقالية،والهدف منها أن توسع دائرة المشاركة، وأن تسمع من الأخرين، وهو عمل تثاب عليه لأنه يصب في المجرى العام للثقافة الديمقراطية. العملالثاني عندما أوعزت للجنة التسيير لنقابة المحاميين أن تقيم ورشة حول صناعة وثيقة دستورية بديلة للوثيقة الدستورية التي انقلب عليهاالعسكر، والهدف من قيام الورشة أن توسع دائرة المشاركة، وتجذب لها قوى سياسية ذات قاعدة اجتماعية عريضة لكي تحدث تحولا فيميزان القوى لصالحها، و نجحت في ذلك. لكن المشكلة أن أي قوى سياسية عندما تدخل في محادثات مع خصمها، لابد أن تجعل هناكناطقا رسميا واحدا، هو المناط به فقط أن يتحدث عن مجريات عملية محادثاتها مع الجانب الأخر، ولكن الحرية لها عشرات الناطقين وهؤلاءكل يحاول أن يجتهد رأيه، و هي عملية تضر بمجريات التسوية، لأن كثرة التعليقات التي تصدر من الحرية المركزي تصدر من عدد غيرمحدود من الناطقين، وهذه الكثرة سوف تربك المشهد السياسي، وتصبح مضطرة الحرية المركزي للتصحيح والدفاع عن رؤيتها، وناطق واحديستطيع أن يخرج فقط المعلومات التي لا تدخل التحالف في جدل جانبي. الثالثنجحت الحرية المركزي أن تكون هي وحدها التي تصنعالأحداث التي تشغل الشارع السياسي. هذا التكتيك كان دائما يحدث تغييرا في الأجندة المطروحة على الساحة، من ورشة إلي أخرى، ثمإلا حوار مغلق بعيدا عن البصاصين، إلي تسوية سياسية تثير جدلا في الشارع السياسي، مما يؤكد أن التكتيك الذي تعمل به لا يتراجع بلينتقل إلي عتبات أعلى في السلم السياسي. و لكن عليها ان تضبط عملية التعليقات على أن تكون من شخص واحد متفق عليه، وقادر أنيختار المصطلحات ويضعها في مواقعها الصحيحة حتى لا تحدث تغبيشا في الوعي أو التآويل.
العسكر أيضا لهم أستراتيجية يعملون بها؛ وهي محاصرة القوى المدنية السياسية من خلال طرح العديد من الأجندة السياسية، والهدفمنها هو شل قدرة الأخرين في التعاطي مع هذا الكم، وشل القدرة سوف يخل بعملية الترتيب للعقل السياسي، إلي جانب سلم الأولويات،حيث تم طرح العديد من المبادرات في الساحة السياسية، والهدف منها أن هناك ليست مجموعة واحدة في الساحة بل مجموعات متعددة،ليس لإقناع الاعبين السياسين السودانيين في الساحة، ولكن لإقناع الرباعية والثلاثية أن الحرية لا تمثل وحدها آهل السودان، ولابد منتوسيع دائرة المشاركة، حتى إذا تمت تسوية يضمن استمراريتها، وأيضا الهدف منها هو أن تقدم الحرية والتغيير مزيدا من التنازلات. السؤال الذي يطرح: ما هي التنازلات التي يريدها العسكر؟ الإجابة؛ أن لا تكون هناك مجموعة لها السيطرة الكاملة على السلطة التنفيذيةوالتشريعية، بل الكل لهم الفاعلية حتى لا يكون هناك ضغط يمارس على العسكر من أي جانب، كما إنها تخل بميزان القوى في الساحةلمصلحة العسكر. وهذا ما أكده البرهان في حديثه الأخير بمنطقة البسابير، حيث قال “إن القوات المسلحة وبالرغم من أنها لن تشارك بشكلفاعل في المشهد السياسي، إلا أنها ستظل تراقب الأوضاع بما لا يسمح بانزلاق البلاد. وأضاف لن نسمح لفئة أو حزب بالسيطرة علىالبلاد عن طريق الانقلابات أو غيرها“. هذا الحديث أن تكون الغلبة لصالح مجموعة معينة في الفترة الانتقالية، والبرهان يعلم أن الانتخاباتسوف تغير توازن القوى المدنية وسوف تأتي بلاعبين جدد. وإستراتيجية العسكر تقوم على لاعبين فقط، البرهان الذي يصرح ما اتفق عليه،وحميدتي يصدر تعليقات مطاطه وقابلة للتآويل على تصريحات البرهان، الهدف منها خلق تشويش في الساحة، والتشويش يجعل الجانبالأخر يتوه في عملية التآويل، بأن هناك صراعات بين البرهان ونائبه وغير ذلك، أما عملية التعليق والشرح يتركوها للجنرالات المتقاعدينوالذين يطلق عليهم محللين إستراتيجيين. إذا كان هناك البعض يعتقد أن هناك خلافا بين المؤسسات العسكرية المختلفة، هذا اعتقاد خاطيء،لآن العسكر يعلمون أي خلاف بينهم ليس في مصلحتهم، لكن مضطرين أن يخلقوا هذا التخيل عند بعض السياسيين لبناء تقيم ونقد علىمعلومات خاطئة. ومقولة البرهان في البسابير تجعل العسكر هم الذين لهم اليد العليا في عملية التحول الديمقراطي، بأن لا تكون هناك غلبةلأي مجموعة سياسية.
أن الحديث عن تسوية سياسية سوف يجعل هناك جدا في الساحة السياسية، بين مؤيد ورافض لهذه التسوية السياسية، والجدل سوفيكون قاصرا على القوى المدنية، والمؤيدين لها مطالبين أن يقنعوا الآخرين، فهي ليست من مسؤولية العسكر، وإذا استطاع الفرقاء أن يوقعواعلى ورقة التسوية، يصبح المشكل من هي الجهة المناط بها اختيار السلطة التنفيذية والمجلس التشريعي، اتفاق التسوية أن تكون الحكومةمن عناصر مستقل غير منتمية سياسيا، و المجلس التشريعي محلولة أن توسع دائرة المشاركة فيه، وتشكيل المجلس التشريعي سوف ينقلالصراع السياسي داخل المجلس ولن تصبح هناك حاضنة سياسية، لذلك العسكر وافقوا على أن تكون مسودة الوثيقة الدستورية للجنةالتسير لنقابة المحاميين هي قاعدة الحوار لأنها لا تختلف كثيرا على الوثيقة السابقة، حيث نقل العسكر ملاحظاتهم حول الوثيقة إلى الحريةوالتغيير، وهي تتمثل في كيفية اختيار رئيس القضاء والنائب العام وعدم إيراد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في المسودة. والتوافق على هذهالنقاط الثلاث سوف يجعل الاتفاق وصل نهاياته، وينتقل لمرحلة التوقيع. وتكون الحرية والتغيير المركزي فقدت سيطرتها علي مؤسسات الفترةالانتقالية، لكنها كسبت أهم شيء، هو الانتقال بالبلاد من مرحلة الصراع في الفترة الانتقالية لمرحلة التصور لعملية التحول الديمقراطي،وإذا استطاعت أن تنجح للوصل إلي الانتخابات، يكون لها أكبر الفضل في هذه التحول السياسي الكبير، وتنجح القيادات السياسية دائمافي صناعة التاريخ المشرف لشعوبها ودولها، عندما تتجرد من الرغبات الخاصة والحزبية الضيقة إلي مشارف الوطن، وتجعل الكل أن لايفكر إلا في صعود الوطن في قمة أولوياته، وعلى أجندة كل مواطن فيه، نسأل الله حسن البصيرة.