الإبداع حقيقة لا يعرف التقاعد .. فالمبدع يرحل وتبقى آثاره للأجيال اللاحقة، ويبقى إبداعه هادياً لغيره ، ويكفي أن ننظر إلى شعراء منعهد الجاهلية الأولى ، لا زالت أشعارهم تمشي بيننا إلى يومنا هذا ، ويكفي أن تستمتع أجيال اليوم مثلما استمعت أجيال الأمس ، ومثلماسوف تستمتع الأجيال اللاحقة بالأعمال الأدبية والمسرحيات والروايات العالمية لمبدعين أمثال “تشيكوف” الروسي أو “آرثر ميللر” الأمريكيأو “برنارد شو” الإنجليزي أو “فيكتور هوجو” الفرنسي، أو “نجيب محفوظ” المصري، و“الطيب صالح” السوداني، أو “باولو كويللو” البرازيلي أو “جابرائيل جارسيا ماركيز” الكولومبي أو “ويلي سوينكا” النيجيري، وغيرهم من ملوك الرواية والخيال والإبداع.. يكفي أنتستمتع الإنسانية بأعمال هؤلاء المبدعين للتأكيد على أن الإبداع لا يعرف التقاعد ولا الانزواء ولا التراجع.. والإبداع لا يقف عند حدود الفنونوحدها ، كالمسرح والتشكيل والرسم والموسيقى والتعبير الحركي والأدب والشعر، والسينما.. الإبداع يمتد ليشمل التميّز في العلوم النظريةوالتطبيقية.
في مارس 2012م ، زرنا مجموعة من الصحفيين السودانيين المملكة العربية السعودية تلبيةً لدعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير“أحمد بن عبد العزيز آل سعود” وزير الداخلية وقتها ، وكان على رأس وفدنا ذاك ، أستاذنا وأستاذ الأجيال الخبير الإعلامي الكبيرالبروفيسور “علي شمو” وتم تكريم الوفد من قبل أبناء الجالية السودانية ومن أكثر من جهة ، وحملت إحدى شهادات التكريم لنا عبارة(تقديراً لإبداعكم في مجال العمل الصحفي) فقال البروفيسور “شمو“، إن المكرمين لمسوا حقيقة مهمة ، وهذا أن الصحافة إبداع مثلها مثلكل الفنون .
ساحات العمل الصحفي تضم عدداً من المبدعين المتميزين الذين تركوا بصماتٍ وآثاراً لن تنمحي في هذا المجال، خاصة الذين جمعوا بينالعمل في أكثر من وسيط إعلامي ، ومن بين هؤلاء كان صديقنا العزيز الأستاذ الكبير “كمال حامد محمد أحمد الفتح ” الذي أشتهر بيننابإسمه الذي كاد أن يصبح (ماركة مسجلة) ترمز له وحده “كمال حامد“.
عرفت الأستاذ “كمال حامد” لأول مرة بمدينة “جدة” نهاية سبعينيات القرن الماضي ، وكان يقيم في حي الهنداوية وكان صديقاً للراحلالمقيم الأستاذ “فاروق خفاجة” وصديقاً لزميلي وإبن دفعتي الأستاذ “معاوية الصادق” وكانوا يتجاورون في السكن داخل ذلك الحيالجداوي العريق . عرفت الأستاذ “كمال حامد” وكان يعمل وقتها بصحيفة (عكاظ) ، ثم توطّدت علاقتي به بعد عودته للسودان وتعاونه معصحيفة (الأيام) الغراء، وأخذت تلك العلاقة تقوى مع الأيام وإلى يومنا هذا.
دعاني قبل عدة سنوات الأستاذ كمال حامد لتدشين كتابه (كمال حامد نصف قرن بين القلم والمايكروفون 1966 – 2016م)، وما كنتوقتها في الخرطوم، بل كنت في “بيروت” للمشاركة في إحدى الندوات، وفاتني ذلك الحدث الكبير.. وعند عودتي هاتفني بأن نسختي منكتابه (في الحفظ والصون).. وسبق أن إلتقينا بعد ذلك في محفل عام ، ليفاجئني الرجل بأن أخرج من حقيبته كتاباً مده لي.. وأعتز كثيراًبالإهداء الذي كتبه إلي في أولى صفحاته لأن فيه إشارة إلى (الإعلامي الأكبر) السيد الوالد الأستاذ “محمود أبو العزائم” رحمه الله .
الكتاب رحلة عمر ، ورحلة نجاح مستمر لرجل لا ييأس إن فشل مرة ولا يقنط ، إن تعثرت خطواته في هذا الطريق الصعب الطويل ، وفيهقصص وحكايات أعتبرها جزءاً من تاريخنا الحديث المعاصر على مدى نصف قرن من الزمان، وهي فترة كافية لأن تقوم مؤسساتناالصحفية والثقافية والإعلامية ومراكزنا البحثية والحكومة ووزاراتها المختصة ، بتكريم رمز إعلامي قضى خمسين عاماً من العمل في بلاطصاحبة الجلالة، وما جاورها من ممالك إعلامية.
ليت أولو الأمر تبنوا قضية التكريم، ونحن نحمد كثيراً لعدد من المؤسسات أن قامت بتكريم الأستاذ “أحمد محمد الحسن” الصحفي الكبير– رحمه الله – الذي قضى خمسين عاماً من العمل في الصحافة الرياضية، وقد تم تكريمه على المستوى القومي، وكنت قد كتبت عن ذلكوتبنيت الفكرة آنذاك ، وطالبت بالتكريم.. فليت أولو الأمر إنتبهوا لنجم آخر استحق أن تكرمه ليس لأنه شاهد على حقبة امتدت لخمسين عاماًبل لأنه أحد صناع أحداثها.
تعهدت لأخي وصديقي الأستاذ “كمال حامد” أن أبحث له عن مؤسسة أو مركز أو جهة تتحمل تكلفة طباعة الجزء الثاني من كتابه القيم،وتمنيت لو أن مؤسسةً أو جماعةً ثقافيةً أو مركزاً إعلامياً بادر بتبني الفكرة
Email : sagraljidyan@gmail.com