بقلم:: زين العابدين صالح عبد الرحمن:
أن الصراع بين إبني السيد محمد عثمان الميرغني على قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي، كان في البدء يشكل طموحاشخصيا بعد مازاقا الإثنان حلاوة السلطة، باعتبار إنهما كانا مساعدين لرئيس الجمهورية في فترتين مختلفتين، و دونأعباء تذكر لكليهما، و كان لكل واحد منهما رؤيته في إدارة الصراع من أجل أن ينفرد بالسلطة. يقول جعفر الميرغني أنه تمتعينه من قبل والده لكي يكون أحد نواب رئيس الحزب. يقول الحسن تم تعينه من قبل رئيس الحزب ليكون مسؤولاللتنظيم. الفكرة السائدة عند كليهما غياب المؤسسية تماما. و مادام الإثنان يوافقان على التعين، تصبح رؤيتيهما فيإدارة الحزب…! السير بذات الطريقة القديمة في الإدارة، حيث تصبح المؤسسية صورية، و شخص واحد هو صاحبالقرار في الحزب، و بالتالي تصبح قيادات الحزب جميعها هي أدوات عملها تنفيذ أراء هذا الشخص. و الغريب في الأمر،رغم أن الكل يتحدث عن الثورة و منهجها الجديد في عملية التحول الديمقراطي، لكن تصبح العقلية التقليدية هي التيتتحكم في إدارة المؤسسات الحزبية التي تعتبر القواعد الأساسية للديمقراطية.
السؤال الذي يجب أن يجيب عليه كليهما: هل الحسن و جعفر أبناء الميرغني يعلمان حقيقة الصراع الدائر عن عمليةالتحول الديمقراطي تاريخيا و حاليا، و أن انقلاب الجبهة الإسلامية ضد النظام الديمقراطي كان المقصود منه هو قطعالطريق لاتفاق الميرغني قرنق؟ أن إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية كان المقصود منه هو قطع الطريق لوضع المسارالديمقراطي في طريقه الصحيح. إذاً معركة الجبهة لم تكون ضد سلطة الصادق المهدي أو ضد حزب الأمة. كانت ضدأطروحات الحزب الاتحادي الديمقراطي، الساعية من أجل حل مشكلة جنوب السودان، و الوصول لاتفاق مع الحركةالشعبية لوقف الحرب، و وضع كل إمكانيات البلاد من أجل التنمية. و الحزب الاتحادي عندما ذهب و وقع على اتفاقيةالميرغني قرن، و التي كانت قد خدمت من قبل القطبين الاتحادين محمد توفيق أحمد و سيد أحمد الحسين، كان الحزبيريد أن يكون هناك توافقا وطنيا تتفق عليه جميع الأطراف. و ليس كان انكسارا لقرنق كما كانت تتحدث الجبهةالإسلامية. و عندما غزت الحركة الشعبية للمرة الأولي الكرمك و غسيان و خور يابوس و غيرها من مناطق النيل الأزرق،ذهبت قيادة الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني للعراق، و طلبت من الرئيس العراقي صدام حسين في ذالك الوقتتزويد الجيش السوداني براجمات صواريخ، و بالفعل قدم العراق هذه الراجمات للقوات المسلحة التي غيرت المعادلةالعسكرية لصالح الجيش، و هزمت الحركة الشعبية، و انسحبت من مناطق النيل الأزرق. و بعدها بدأت تحركات الحزبالاتحادي لإقناع الحركة الشعبية بالحوار من أجل التوافق. و بعدها بدأت الجبهة الإسلامية تثور ضد الاتحادي و نفذتانقلابها الذي قطع طريق تطور العملية الديمقراطية. و يجب أن تعي القيادة الاتحادية أن معركتها من أجل الديمقراطيةهي معركة متواصلة و مبدئية حتى إذا تغير الاعبين في المسرح السياسي و لا تحيد عن ذلك.
أن معركة جعفر و الحسن ليست معركة داخل أسرة، من يكون له الأحقية في أن يرث والده في العمل السياسي، و يمارسذات الكيفية التي كان يسير عليها في إدارة الحزب، بل معركة الحداثة ضد الإرث التقليدي، و أيضا معركة بين عقليتين. الأولي يمثلها جعفر الذي يريد أن يرث والده، و يحتفظ بذات القوى المحافظة التي لا ترى في السياسة غير أداء فروضالطاعة و الولاء، بالتصفيق و التهليل لرئيس الحزب، و أتباعه في الصواب و عدمه، و أضعاف لدور المؤسسية. هذهالعقلية ليست على دراية أن الحزب يمثل الطبقة الوسطى في المجتمع، و هذه الطبقة جوهر اعتقادها التمرد على أيعقلية محافظة، و على الشخصيات التي فقدت أهلية التفكير الديمقراطي. و العقلية الثانية هي التي تريد الحداثة والتطوير و التمرد على الإرث القديم و يمثلها الحسن، الذي قبل تعين والده في التنظيم، و أول قرار اتخذه إبعاد كلالقيادات التقليدية التي كان قد ساهمت في ضعف الحزب، و كان قد سماهم” الدواعش” كانت خطوة سوف تليها خطواتأخرى، تفتح الطريق لقيادات جديدة لها رؤى جديدة تهدف لتطوير و تحديث الحزب، و نقله لمرحلة سيادة المؤسسية فيالعمل السياسي، لكن هذه الخطوة الأولى قد جعلت أغلبية القيادات التقليدية التي تم إبعادها تثور ضد الحسن، و سعتلكي تبعده عن إدارة التنظيم، و هي التي ضغطت الميرغني لكي يعين جعفر نائبا له لكي يتصدى لمشروع الحسنالإصلاحي داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي. و هذه القيادات دائما تحب العمل في العتمة، يذيها الضوء، لكنه يبينملامحها للناس، عقليات لا تملك غير الدسائس و المكائد، هي القيادات التي جعلت الحزب يفقد فاعليته في التجمعالوطني الديمقراطي، و هي نفسها التي كان هملها المناصب و لم تستطيع أن تضيف للحزب في مسيرتها أي أضافةإجابية تذكر لها.
و كانت رؤية الحسن التي بدأ مشورها بها أن يزيل الشقة بين الاتحاديين و كتلة الختمية، الشقة التي أثرت في الحزبمنذ خسمينيات القرن الماضي، و أدت إلي انشقاق في الحزب الوطني الاتحادي و تكوين حزب الشعب الديمقراطي، والتي سماها الشريف زين العابدين الهندي الصقة التي لم تستطيع تماسك التيارين، و ظل البعض يتعامل بها حتى الآن. و هي العقلية التي اقعدت الحزب حتى لا يؤدي دوره في العملية السياسية بالصورة الايجابية الداعم لعملية التحولالديمقراطي، حيث ظل الحزب الاتحادي منذ حكم الإنقاذ حتى الآن على هامش الفعل السياسي، كان الاتحاديونبمجموعاتهم المختلفة هم الذين يصنعوا الأحداث و يتجاوب معها الأخرون، الأن أصبح دور الاتحاديين كمبارس يضافواإلي المجموعات المختلفة.
يجب على الاتحاديين أن يشكلوا الكتلة التى تمثل إشعاع الاستنارة و تقدم المبادرات الوطنية التي يستجيب الأخرونلها. أن عدم تحريك هذه الكتلة بالصورة المطلوبة هو الذي يعقد الأزمة السودانية. و هم قادرين على تحريك أكبر كتلةأجتماعية في المدن و الريف لمناصرة قضية الديمقراطية، و متى كانت الإدارات الأهلية و الطرق الصوفية تقف في مواجهةمسار عملية التحول الديمقراطي، باعتبار أن هذه الكتل الاجتماعية تؤدي دورها ديمقراطيا وسط اتباعها، و لذلك كانتتمثل قوى حية داعمة للاتحادي في مساره التاريخي. فالحزب الاتحادي يستطيع أن يحدث أختراقا في الأزمة إذا استطاعتجميع هذه القوى حوله و السير بها في طريق دعم عملية التحول الديمقراطي.
أن الاتحاديون رغم مسعاهم من أجل بناء المؤسسة، لكنهم يحتاجون لكرزمة قائدة تضطلع بدور أحياء المؤسسة، و تفعيلالقيادات التي تقوم بدور الأستنارة داخل الحزب و خارجه، و أيضا القيادات ذات التأثير في الكتل الاجتماعية، لذلك دعمالحسن مسألة مطلوبة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد، باعتباره يملك قاعدة معرفية مطلوبة في هذه الفترة، وواعي للتحولات في المجتمع. كما يستطيع أن يتفاعل بصورة إيجابية مع فئات المثقفين و الأجيال الجديدة، و يستطيع أنيدخل معها في حوارات فكرية تعاضد عملية التحول الديمقراطي، و تؤسس لثقافة جديدة. و نسأل الله التوفيق و حسنالبصيرة.