الزين صالح يكتب : الميرغني و الحيرة بين عصرين

بقلم :زين العابدين  صالح عبد الرحمن

أرسل السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عدد من الرسائل و الإشارات في حديث لهمسجل فيفيديوبمناسبة توقيع الحزب الاتحادي على اتفاقية السلامالميرغني قرنقأبان الديمقراطية الثالثة. وقبل الدخول في التعليق على إشارات و رسائل الميرغني. يجب تأكيد الاحترام للسيد الميرغني باعتباره من القياداتالتاريخية، و أيضا لنضاله من خلال تحالف التجمع الوطني الديمقراطي، و الذي كان قد تكون عقب انقلاب الجبهةالإسلامية القومية في 30 يونيو 1989م، و ناضله ضد الانقلاب حتى تم التوقيع على اتفاقية (نيفاشا 2005م). وأيضا نحترم علو مركزه كشيخ للطريقة الختمية. و يأتي تعليقنا على الجانب الأخر للسيد الميرغني باعتبار رئيس للحزبالاتحادي الديمقراطي. و في هذا الجانب؛ ترفع عنه أي حصانة لها قدسية دينية، باعتبار أن السياسة و الديمقراطيةتجعل الكل سواسية، و تسقط أي اعتبارت خاصة مأخوذة من مكون أجتماعي أو ديني.  و من هذا المدخل يأتي التعليقعلى حديث السيد الميرغني.

السؤال الذي يجب أن يطرح على السيد الميرغي: هل هو مدرك للتغيير الذي حدث في المجتمع، و التغيير الذي حدث فيتكنولوجيا الاتصال الذي دفع تيارات عريضة في المشاركة السياسية، و التغيير الذي حدث وسط الأجيال الجديدة المناصرللديمقراطية؟  

كلف السيد الميرغني أبنه جعفر الصادق بمواصلة عمله بحسم كافة المتفلتين داخل مؤسسات الاتحادي الأصل المختلفة،فيما أكد دعمه للقوات المسلحة ورفض الإساءة لها، ووصفها بالضامن لوحدة واستقرار السودان. أن قرار الميرغي بتكليفجعفر الصادق يؤكد انعدام المؤسسية، و حسم كافة التفلتات داخل المؤسسة يجب أن تكون من خلال تطبيق الوائح، إذاكانت هناك لوائح للحزب، و حديث الميرغني يؤكد تماما أنه يتجاهل التغيرات التي حدثت في المجتمع لصالحالديمقراطية، و أيضا يؤكد أن جعفر الصادق و كل الذين يلتفون حوله قيادات لا تدرك أن الصراع الدائر في البلاد بينعقليتين ديمقراطية تريد إسقاط كل تابوهات الشمولية في البلاد، و عقلية محافظة تتشبث بالموروث السياسي القديمالذي تسبب في كل الفشل السياسي الذي اقعد البلاد، و مثل هذه العقليات سوف يصعب عليها استيعاب التغيير الذييحدث في المجتمع الذي تتسيد فيه الأجيال الجديدة برؤى جديدة مخالفة للموروث. أن الكل يحترم القوات المسلحة، ويتمنون أن تكون من أفضل القوات في العالم تطويرا و تحديثا، لكن يجب التأكيد أن دورها في العمل السياسي قد أضرالبلاد، و أضرها شخصيا، و بالتالى يجب أن تبتعد عن السياسة لكي تصبح قومية بحق وحقيقة، دون الدخول فيمناكفات السياسية، و هذا لا يقلل من أحترامها.

و في فقرة أخرى قال الميرغنيإن القرارات المستعجلة والسعي إلى إنضاج حلول قبل وقتها قد يجلب مفسدة وضرراًكبيراًوأضاف قائلالذلك نجدد تحذيرنا من مبادرات تؤدي إلى تعقيد المشكل السوداني وتقوده إلى الاتجاه الخاطئوتجريب المجرب“. أن حديث الميرغني عام و مبهم، كان عليه أن يبين ما هي القرارات المستعجلة التي يقصدها، و من هيالجهة التي أصدرت هذه القرارات؟ و الميرغني يعلم أن الديمقراطية تؤسس على الوضوح و الشفافية، و ليس على مثلأياكي اعني و اسمعي يا جارةو أي مبادرات يقصدها الميرغني؟ خاصة أن الساحة السياسية مليئة بالمبادرات. و معلوملعلماء علم الاجتماع و الفكر السياسي، أن فترة التحولات و التغييرا الاجتماعية و السياسية التي تحدث في أي مجتمع،سوف تسمح بالمشاركة الواسعة من قبل فئات و مجموعات سياسية و ثقافية، و هي مرحلة متوقعة ثم تبدأ عملية الفرز، وهي مرحلة يحاول فيها الناس استيعاب المتغييرات و تخلع فيها الأثواب السياسية القديمة، و تحل محلها أثواب جديدةتتلاءم مع شعارات المرحلة المطلوبة، و بالضرورة أنها سوف تتجاوز الإرث السياسي القديم، كما أنها مرحلة يحاول فيهاالبعض الحفاظ على المصالح الذاتية، و الحزبية الضيقة. فهي مرحلة صراع تتغير فيها التكتيكات باستمرار و أيضاالأدوات التي تثبت فشلها، هي مرحلة تحتاج لقدرات خلاقة و مبدعة، و بالضرورة تكون عصية الفهم للعقليات التيتكلست، أن الميرغني مدرك؛ أن دوره في هذه المرحلة لن يكون مفيدا، و لا يملك الطاقة المطلوبة للعمل السياسي الذييحتاج لطاقة أكبر لفهم الأحداث و تحليلها، و للاستيعاب الكامل للأجيال الجديدة و طريقة تفكيرها، لذلك ترك الميرغنيالعمل السياسي المباشر و كلف ولديه الحسن و جعفر، و أن حديثه الأخير لا يستبعد أن يكون قد دفع اليه دفعا، لجهةراغبة أن يكون جعفر هو القائم على أمر الحزب.

و في الحديث نوه الميرغني إلىأن جميع اتفاقيات السلام السابقة التي وقعت بدعم من المجتمع الدولي تضمنتشراكات ثنائية انتهت بالتفريط في وحدة السودان تراباً وشعباًو أضاف قائلااليوم نشاهد أجزاء عزيزة من الوطنتتجه لخيارات يمكن تجنبها مثل دعوات انفصاليةالسؤال الذي يجب طرحه على السيد الميرغني. إذا كانت هذه رؤيتكلاتفاقيات الماضي بأنها أدت إلي التفريط في وحدة السودان، و المقصود هنا اتفاقية (نيفاشا) بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني و أيضا اتفاقيات أخرى. لماذا مكثت طوال هذه السنين خارج السودان و هو يشهد تحولات سياسيةكبيرة. أن الزعيم السياسي الذي يخاف التفريط في أجزاء الوطن، عليه أن يكون حضورا بين شعبه و وسط عضوية حزبه،و أن يكون مصدرا رئيس للتوعية السياسية لهم، و يقود عملية التوافق الوطني التي تمنع عملية التفريط التي يقصدها. و هل الميرغني و كل القوى المحافظة التي تقف أمام تيار التغيير على دراية أن واحدة من أهم معالم ثورة ديسمبر أنهاحطمت التابوهات القديمة التي كانت سببا في إعاقة تطور البلاد؟ و هل الميرغني مستوعب أن الثورة التي أنطلقت منالشارع تعني رفضها لكل نخبة الفشل؟

و في محطة أخرى من حديث الميرغني، نجده قد رفض الإملاءات الأجنبية، و طالب الجميع لجمع الكلمة، و أيضا طالبالوسطاء الدوليين بالعمل على دعم الحوار  السوداني ـ السوداني. و هنا يقول الميرغني كلاما مرسلا غير مخصص، وكان عليه أن يوضح للناس ماهية الإملاءات الأجنبية، و يبين خطورتها على وحدة البلاد، و أيضا يبين ما هي الأدواتالمطلوب تفعيلها لتحقيق مقصد جمع الكلمة و التوافق الوطني. خاصة أن الشباب الذين يتواجدون في الشارع هم الذينوقفوا ضد الانقلاب، و دفعوا في ذلك الغالي و النفيس من أرواحهم و أجسادهم، لن يقبلوا الإملاءات من على البعد، هؤلاءالشباب يؤكدون يوميا أنهم لا يريدون الرجوع للإرث القديم الذي أدمنت قياداته الفشل، شباب يتطلعون للمشاركة في بناءوطنهم من خلال تصورات جديدة و أدوات جديدة و قيادات جديدة تتجاوز كل سلبيات الماضي.

كان على السيد الميرغني أن يقف في مسافة واحدة من الأخوين، لا ينحاز لجانب دون الأخر، و يجعل تفاعلات الشارع وعضوية الحزب هي التي تحكم في ذالك، أن التغيير المطلوب ليس تغير كارزمة تغيب المؤسسة لا عتبارات شخصيةبشخصية تملك ذات الخصائص، بل شخصية لها تصور يرتقي بالمؤسسة و يدفع بالمشاركة الواسعة في اتخاذ القرارات. و إذا كان الميرغني يرفض الإملاءات الاجنبية لماذا يريد تطبيقها في الحزب الاتحادي. أن الديمقراطية ليس قرارات وممارسات محصورة في الدولة لوحدها، بل يجب أن تمتد داخل الأحزاب و الاتحادات المهنية و الرياضية و منظماتالمجتمع المدني، و في مؤسسات التعليم و في كل الحراك السياسي و الثقافي و المجتمعي. و الصراع الدائر بين الحسن وشقيقه جعفر صراع أيضا تفرضه المصالح، و الانحيازات الاجتماعية حسب تطلع كل منهما، و لن توقفه قرارات الميرغني، وعضوية الحزب هي التي يجب عليها أن تختار أين تقف في أي جانب، يتلاءم مع تطلعاتها. أن صراع بين الشيقين فرضتهالظروف السياسية و سوف يؤدي للفرز، و مهما فعل الميرغني و الذين يدفعونه لكي ينحاز لطرف يعتقدون يشكل حمايةلمصالحهم، أن الصراع سوف يستمر حتى تقول الجماهير كلمتها الفصل عندما تذهب لصناديق الاقتراع. و نعرف أنالميرغني يقع في حيرة بين عصرين، عصر نخبة تاريخية أصابها الفشل، و نخبة جديدة تتطلع لغد أفضل. و نسأل اللهحسن البصيرة للجميع.  

 

السودانالميرغني