ومعلوم أن جغرافية السودان الطبيعة تزخر بمناخات متعددة أسهمت فى تعدد منتجاته من مختلف الحبوب الغذائية والنقدية والحيوانية فالمنتجات الزراعية لها من الميزات الغذائية ما جعلها مفضلة للمستهلكين داخل وخارج البلاد تليها منتجات الثروة الحيوانية خاصة اللحوم الحمراء وكذلك المنتجات الغابية لها ميزات غذائية وطبية عديدة جعلتها مثار إهتمام فى مجال الطب البلدى وعالجت بتركيبات مختلفة العديد من الأمراض التى تصيب الإنسان ، وحديثنا عن ميزات هذه المنتجات لايعني أننا نعرف كل مميزاتها فما يخفى منا أكثر من معرفتنا المتواضعة التى جاءت بفعل المعايشة والتجربة ، والطب الحديث إذا كثف جهوده البحثية سيكتشف الكثير من الميزات العلاجية والغذائية التى نجهلها ، فهى مليئة بالمكونات الغذائية التى جعلت المنتجين يركزون على زراعتها وإعتمادها مصدرا مهما للغذاء الذى يحتاجونه لمعاش أسرهم اليومى .
وهنا تود حكاية من حلتنا أن تلفت الانتباهه لأحد هذه المحاصيل الغذائية الهامة فى حياة السكان خاصة فى مناطق الزراعة المطرية فى بلادنا وخصوصا أقليمى دارفور وكردفان ، تتبعها أقاليم النيل الأزرق والقضارف وكسلان وحلفا الجديدة لطبيعة الأراضى الزراعية التى تساعد فى نمو ذلك المحصول الغذائي زائع الصيت ، حيث لاتجد بيتا يخلو منه مهما كانت الأسباب حتى وإن لم ينتج فى المزرعة فطابع الغذاء اليومى للأسر يعتمد عليه بشكل أساسى فى أغلب الوجبات وحتى المناسبات الإجتماعية لايغيب عنها ، فهو طعام الجميع الكبار والصغار الرجال والنساء وحتى من يأتى ضيفا يجد صحن عصيدة الدخن أمامه فما عليه إلا أن يستجيب لدعوة تناول الطعام فيغسل يده ويبدأ بإسم الله ثم لايلبث إلا أن يطلب زيادة منه ، فمحصول الدخن الذى تنتجه تلك الأراضى الرملية الواسعة والشاسعة أصبح غذاءا رئيسا لأهل تلك المناطق وحتى حيواناتهم إذا قدم لها الدخن كغذاء لا تتأخر لحظة فى إلتهامه وطحن بذرته رغما عن قوتها إلا أن ميزاته الغذائية المتعددة جعلته المحصول الغذائي الذى لايرفضه أحد إنسان كان أو حيوان أو طير فيا له من محصول يستحق الإحتفاء به.
وهاهى الأمم المتحدة لم تخيب ظننا فى محصول الدخن إذ دعت الى جعل العام 2023م
عاما دوليا لمحصول الدخن بهدف خلق الوعى به وزيادة إنتاجه وتحفيز الاهتمام به بين مختلف أصحاب المصلحة ، وهذه فرصة ذهبية للمجتمعات المحلية لتعود بقوة الى عاداتها الغذائية الجيدة والصحية ، ولما لا تعود فقد كانت تلك المناطق تخلو من الأمراض ظهرت مؤخرا وأصبحت تهدد المجتمعات المحلية خاصة الفقراء منهم لإرتفاع تكلفة العلاج والتنقل بين المناطق والمستشفيات والمراكز الصحية ، ويتميز محصول الدخن بأنه يتحمل الجفاف وقلة الأمطار والرياح وحركة الثروة الحيوانية ، ومايعيبه أن يتعرض للآفات الزراعية التى تهدد إنتاجه بصورة كلية مثل الجراد والطيور وهنا نتذكر ذلك المقطع الغنائى الشهير من أغنية مسكين أنا (طوفان جراد أفنى وأباد محصول سنه) إلا أن الدخن يظل يحظى بمكانة جيدة فى ذاكرة الناس فى تلك المناطق وبالتأكيد إذا أتى الخريف اللين فأهل الزراعة لايتوانون من زراعة الدخن فى كل المساحات التى يملكونها .
ومحصول الدخن يتمتع بميزات غذائية عالية تفوق بعض المحاصيل الأخرى وله من الطرق التى يأكل بها فأشرها عصيدة الدخن والتى تأكل بعدة طرق إما أن تأكل بالملاح وخاصة بالتقلية أو الروب بالسمن أو زيت السمسم أواللبن ، أو يأكل كسرة أو قراصة أو بليلة ويمكن أن يشرب عصير أو مديدة ساخنة أو باردة ، والعديد من الطرق الأخرى التى تعرف بأسماء مختلفة أشهرها (القدوقدو) ويشرب أو يأكل بالروب ويضاف إليه قليلا من السكر وهو وجبة مشبعة تساعد المزارعين فى العمل فى مزارعهم وزيادة إنتاجهم ، ويعبأ محصول الدخن فى شوالات الخيش الكبيرة سعة ٣٠ مدا أو ١٥ ربعا أو ٧ونصف كيلة وهى جولات ذات لون بنى مشهورة فى الأسواق وهى تباع فى سوق مسمى بإسمها (سوق الخيش أو الشوالات) ويخزن فى المخازن المبنية بالطوب أو الزنك أو المطامير التى تحفر فى باطن الأرض لحفظه من الحرائق التى تلتهم المنازل والحشرات الضارة ، وهناك من يبيعه فى الأسواق لسداد الالتزامات المالية والديون وشراء حاجات الأسر التى تنظر موسم الحصاد بصبر طويل.