ليس لديّ أدنى شك في إن هناك من يسعى لزراعة الفوضى في بلادنا ، فوضى مدمّرة وغير منتجة ، تخدم مصالح زارعيها ، بينما لا تخدم السّودان وأهله .
لست ضد ثورة الشّباب ، ولا أريد أن أكون ضدّهم في يومٍ من الأيام،، فالتمرّد والإحتجاج جزء من طبيعة هذه المرحلة العمرية ، التي يحلم أصحابها بواقع جديد ، غير الواقع الذي يعيشونه ، هو واقع يعبّر عن تطلعاتهم في الغد الأفضل ، لكنني مع ذلك أكاد أوقن بأن هناك من يريد لهؤلاء الشباب أن يتحركوا في إتجاهات غير التي يريدون ، بل يريدون الدفع بهم إلى أتون المحرقة ، لذلك أرى أنه من المحزن والمخزي لنا جميعاً هذا الذي يحدث من تقتيل وإصابات في كل موكب أو مظاهرة ،
كلنا مسؤول عمّا يجري ، وهذا يكشف لنا عجز القوى السياسية التي عجزت عن إستقطاب الشّباب وإقناعهم ببرامجها ، ويكشف بجلاء عن غياب مشروع وطني مُتفقٌ عليه من الجميع ؛ وهو ما يعطي الفرصة ل ( الأيدي الآثمة ) للتدخّل ، وتفرّق بين أبناء الوطن الواحد .
لابد من جهة ما تضبط الحراك الشعبي المجتمعي والحزبي ، جهة تستند وتعتمد على قواعد العمل المهني غير المنحاز ، تعمل على ترسيخ مفاهيم الأمن والذي هو أحد قاعدتي الإستقرار في المجتمعات ، بعد معاش الناس ، فقاعدة الإستقرار كما ظللنا نكتب منذ وقت طويل ، هي ما جاء به القرآن الكريم في سورة قريش ، إذ قال المولى عز وجل: (لإيلاف قريش .. ايلافهم رحلة الشتاء والصيف.. فليعبدوا رب هذا البيت .. الذي أطعمهم من جوع .. وآمنهم من خوف) صدق الله العظيم .
إذاً الأمن قيمة عظيمة بها تستقر الأمم والدول والمجتمعات، ونستطيع القول إن قرار رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ، الذي أصدره قبل نهاية العام الماضي، والخاص بإعادة سلطات جهاز الأمن والمخابرات العامة ، قد منح هذا الجهاز الذي لا غنىً لدولةٍ عنه ، منحه الحق والقدرة في التصدّي لكل المهدّدات التي تواجه البلاد ، وقد أثبت الجهاز قدرته تلك في كشفه لخلايا إرهابية من خلال عمل استخباراتي دقيق ومعقّد ، وهو قد إستطاع في فترة وجيزة بالتعاون مع بقية مكونات المنظومة الأمنية ، من ضبط عمليات تهريب البشر والسلاح وتجارة المخدرات، ومحاصرة الجريمة، وإنتشار عمليات السلب والنهب في كل البلاد ، هذا غير الصراعات الإثنية والقبلية التي أطلت برأسها من جديد .
نحن نخشى على بلادنا وعلى شبابنا وبناتنا من أي تدهور في الأوضاع الأمنية ، لأنهم سيكونون هم الضحايا ويكون الوطن أيضا ،لذلك نتمنى أن ترقى أحزابنا ومؤسساتنا الحزبية والسياسية وترتقي إلى مستوى المسؤولية ، وأن تعمل على نشر الوعي السياسي بين أبنائنا وبناتنا ، وأن تواجه التحديات الكبرى التي تواجه بلادنا ، وأن تبادر بتقديم كل ما يمكّن بلادنا من تجاوز هذه الأوضاع الحرجة، وقد سعدنا حقيقةً بتصريحات سابقة لمدير جهاز المخابرات العامة ، الفريق أول أحمد إبراهيم علي مفضّل ، التي قال فيها إن جهاز المخابرات العامة سيعمل على تقديم وتبنّي المبادرات الوطنية التي تعمل على إخراج بلادنا من وهدتها إلى أفق جديد وآمن، مع ترسيخ مبدأ المهنية والإحترافية والقومية في عمل الجهاز .
دعونا جميعاً نعمل من أجل وطن حر ، وطن تكون فيه شعارات ثورة ديسمبر (حرية، سلام، وعدالة) واقعاَ حقيقياً لا مجرد شعارات نخرجها عند اللزوم .