وشهر رمضان المبارك يأتى فى العام الهجرى بعد شهر شعبان وعند أهلنا فى بلادنا السودان يسمى ب(قصير) بكسر القاف وفتح الصاد والياء والراء ، وللشهور العربية جميعها تسمية عندهم عدا شهر رمضان فقد حافظوا على إسمه ولم يجدوا له بديلا وهو شهر التسامح والعفو والتزاور وصلة الأرحام ، فأنت اليوم فى إفطار أسرى وغدا أو بعدها فى إفطار أسرى آخر ، وهو شهر يمنح الأسر طاقة إيجابية تساعدهم فى كسر جمود ورتابة العلاقة الأسرية ، التى لاتكاد تخلو من مشاكل وخلافات تزداد وتيرتها حينا وتخف أحيانا أخرى ، ورغما عن ذلك لا يترك أهل الإصلاح والحل والعقد الأمور تسير على هذه الوتيرة الخلافية بل تجدهم يسعون بكل ما أوتوا من حكمة ورياسة وحسن تدبير لمعالجة الخلافات فى إطارها الأسرى حتى لاتتفاقم وتأثر سلبا على العلاقات الأسرية التى ورثوها ناصعة البياض من الأجداد والآباء وتركوا إرثا خالدا فى الإصلاح الأسرى .
ومجالس الحل والعقد دائمة الإنعقاد فى حال تعثر معالجة أى من المشكلات الأسرية ورفض طرف من الأطراف أن يستجيب لنداءات المصلحين والحادبين على مصلحة الأسرة المعنية ، وهنا تظهر قدرات المصلحين فى الصبر والتأنى وتغليب المصلحة العامة على الخاصة وعدم العجلة فى الحلول التى تكون عواقبها السالبة فى بعض الأحيان خطرا على الأسرة ، فتجدهم يبحثون فى كل جوانب المشكلة حتى يصلوا الى حل يرضى جميع الأطراف وليس هناك خاسر أو منتصر فالكل رابح ، و(الصلح خير)كما ذكره الله تعالى وكذلك فى قوله تعالى :(وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت) وعندها يتصالح ويتعافى الجميع ويتصافحون وتنهمر دموعهم فرحا بعودة العلاقات الأسرية الى سابق عهدها ، وعندها ترتاح النفوس ويخرج منها بركان الغضب الذى كان مسيطرا عليها ، فكثيرا من المتخاصمين تجد أحدهم يعلن لك عن عدم رضائه عن هذا الشخص أو غيره إذا إختلف معه حتى وإن كان من أفراد أسرته ناهيك عن الآخرين .
وهذه المجالس ذات الخصوصية المتفردة فى إصلاح ذات البين ومعالجة جذور المشكلات الأسرية ، يسميها أهلنا ب(مجالس الجودية) بضم حرف الجيم وسكون الواو وكسر الدال ، ولها أشخاص بارعون فى قراءة المشكلة بعمق كبير ، يهدف فى الأول والأخير الى الإصلاح نفوسهم وقلوبهم متعلقة بالحل ولا شيئا سواه ، فعندما تعود المياه الى مجاريها بين المتخاصمين وتزال تلك الجفوة بين الإخوة أعداء الأمس ، تنفرج أساريرهم يحمدون الله على ما أنعم عليهم بأن وفقهم للإصلاح وعودة العلاقات الأسرية بروح جديدة ، وفى أحيان تقام مجالس الجودية لمعالجة مشاكل أكثر خطوة على المجتمع مثل القتل والديات ، فيفلحون بتوفيق من الله فى إطفاء نار الفتنة التى إن إشتعلت من الصعب إطفاؤها ، وتظل هذه المجالس أحد الثمرات الطيبة فى مجتمعنا السودانى الذى يمنحنا دروسا فى فن إدارة العلاقات ومعالجة المشكلات داخل الأسر.
*وأهلا يارمضان*