عبود عبدالرحيم يكتب: سيولة أمنية.. تقدير موقف

264

السيولة الأمنية بالبلاد هي اكبر المسالب التي نتجت عن التغيير في 2019، انهارت المنظومة الامنية عندما كررت الاحزاب ذات خطأ 1985 بقرار حل جهاز الامن بعد سقوط نظام مايو بقيادة جعفر نميري.

تتكرر دائرة التاريخ ويدلغ الشعب السوداني من ذات “جحر الاحزاب” بتقليم اظافر الجهاز وتحويله الي وحدة جمع معلومات، ذات التخطيط الذي دخلت به الحركة الشعبية قبل انشطار حدود الجنوب، حيث كانت تصريحات ياسر عرمان المتكررة حتي من داخل البرلمان تتركز علي نزع المهام الامنية المباشرة لحماية البلد عن الجهاز.

ثم بعد 2019 اكتملت دائرة كشف ظهر السودان بقرار حل هيئة العمليات، الذراع القوي لجهاز الامن، فانتشرت بعد ذلك كل الجرائم من تجارة مخدرات وتعاطيها واختطاف ونهب مسلح داخل المدن.

بعد التغيير 2019 وسقوط نظام الانقاذ بقيادة عمر البشير، تكرر ما حدث في 1985 بالكربون، واصبحت بلادنا في العراء مع تطور الجريمة المنظمة والاختراق المخابراتي الدولي وتهريب البشر وزاد علي ذلك الاطماع في ثروات البلد، حيث فتحت الابواب علي مصراعيها لدول ومنظمات للاستيلاء علي الموارد في ظل تغييب متعمد لسلطة المهام الامنية.

واكثر ما يهدد ما تبقى من ممارسة العملية السياسية، هو الاتجاه المتصاعد حالياً لانشاء جهاز امن داخلي تحت سيطرة حزبية صارخة، ذلك وفقاَ لما تم تداوله عبر الاتفاق الاطاري، بعد انهيار الوثيقة الدستورية، وحال تنفيذ مخطط تكوين جهاز امن داخلي تحت قيادة مدنية حزبية فان البلاد بلا شك علي موعد مع “تصفية حسابات” باسلوب ومنهج جديدين، تشمل الاعتقال بشبهة سياسية وهو ما يتعارض مع احد اهم شعارات الثورة (حرية) التي نادي بها الشباب غير اصحاب الانتماء الايدلوجي.

لو ان الوضع كان طبيعياَ والتغيير لمصالح البلد والمواطن، كان يمكن مخاطبة الاحزاب بخطورة منع جهاز الامن من القيام بدوره كاملاَ تحت رقابة القانون والالتزام به، ولكننا الان امام واقع مجهول في حاضره ومستقبله بسبب سرقة احزاب تحالف الحرية والتغيير للثورة وشعاراتها، وهي تنصب نفسها ممثلة للشارع الذي لفظها وطارد قاداتها في المواكب والمليونيات.

قوى الحرية والتغيير جناح المجلس المركزي الذي يسيطر علي المشهد دون وجه حق، وهو ينهل من ذات كأس (التجمع الديمقراطي في 85) ويتعمد الان تكرار ما حدث بعد سقوط النميري، بتفكيك الاجهزة الامنية وترك البلاد في حالة من فراغ امني يقود للفوضى والانهيار.

وما اشبه الليلة بالبارحة، مع تفاقم المهددات الامنية داخلياً وخارجياً، فان الامر يتطلب عودة جهاز الامن بمهامه المعروفة لفرض حماية البلاد من الانزلاق اكثر مما هو حادث الان، ووقف حالة السيولة الامنية التي تتزايد يوما بعد يوم.

نحتاج من قادة الدولة “تقدير موقف” واصدار القرار بعودة اهم وحدات المنظومة الامنية، التي صرفت الدولة عليها لتدريبها وتاهيلها لتكون “اظافر وانياب” حماية البلد والمجتمع، جهاز الامن لا تقتصر مهمته في جمع المعلومات فحسب، ولكن الاهم من ذلك هو تحليلها ووضع الخطط وتنفيذ حماية البلاد من المخاطر والمهددات، ومهما كانت طبيعة تلك المخاطر، فان جهاز الامن والمخابرات الوطني بمنهجه وتاهيله قادر علي وضع الترياق المطلوب لتفكيك كل منظومة الجريمة بكل انواعها.

آن الاوان ليقظة الحاكمين من غيبوبتهم، آن الاوان لانتباه قادة الدولة للمخاطر المحيطة بالبلد، ماذا ننتظر ان يحدث اكثر مما هو الآن، بانتشار اجهزة المخابرات العالمية واستباحتها كافة مرافق الدولة، وهشاشة امنية تغري بتكالب القوى الدولية وبمساعدة جهات محلية للاسف لا تملك وازع من ضمير او شرف انتماء للوطن.

نطالب بالصوت العالي بوقف مؤامرة تكوين جهاز امن داخلي بقيادة سياسية من احزاب لا تحظى حتى باجماع عضويتها التي لا تتجاوز الارقام الآحادية، ونطالب بصوت عالي بعودة جهاز الامن والمخابرات بمهامه المعروفة في توفير الامن بالبلاد تحت رقابة القانون وقوة تنفيذه منعاَ لاي تجاوزات فردية.

ان استمرار الوضع الحالي بعدم فاعلية جهاز الامن سيقود الي مزيد من الانهيار الامني ويجعل البلاد مكشوفة الظهر امام كل المخاطر والمهددات، ومنافذ عبور للجريمة المحلية والدولية، في ظل الهشاشة الامنية بعدد من دول الجوار.

Comments are closed.