حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: وللحرب محاسن.. العودة للريف

151

لم يتوقع الكثيرون من سكان عاصمتنا الخرطوم إن يغادروها بدون تخطيط مسبق لأى وجهة كانت ، فالزمان ليس مثل ذلك الزمان الذى تسبقه الأمنيات والتطلعات بالذهاب الى منطقة معينة يمضى فيها الإنسان وقتا لمواصلة الأرحام وترميم العلاقات الإجتماعية والإستجمام والراحة بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخبها الذى لايتوقف ليلا ونهارا إلا لساعات قليلة ثم يعود مرة أخرى لمنواله، دون مراعاة لظروف المرضى وكبار السن والأطفال فلا خيار لهم سوى التأقلم مع مختلف الأوضاع والظروف، صيفا وشتاءا وخريفا، حتى وإن لم تكن تمتلك معينات هذه الفصول فعليك تدبير أمرك لوحدك والاستعداد لمواجهة تقلبات طقسها التى باتت علما يدرس فى الجامعات وينتظره أغلب السكان ليتعرفوا على أحواله فى مواقع التواصل الإجتماعى ، حتى يستطيعوا تدبير حياتهم، وأذكر عندما كنا فى الجامعة يشار الى النشرة الجوية كأحد مكونات النشرة الإخبارية وتسمى (الأخبار الباردة) وتأتى دائما فى نهاية النشرات الإخبارية ويوضع لها زمن بسيط مقارنة بالأخبار السياسية والرياضية والاقتصادية التى تستحوذ على أغلب وقت النشرة.

وكما ذكرت من قبل فإن للحرب محاسن ومساوى تختلف حسب طبيعة الحرب الدائرة ومستوى الأسلحة ومواقع تواجد القوات والتدريب والمعدات والآليات المستخدمة، فالحرب التى تدور مثلا فى الحدود بين دولتين ليست مثل الحرب التى تدور بين مكونات عسكرية داخل حدود الدولة المعنية، وحتى هذه الحرب تختلف إن كانت داخل المدن أو خارجها، وهكذا تكون أجواء الحروب مختلفة تجعل السكان يدرسون إمكانية التأقلم معها أو الهروب منها ومابين التأقلم والهروب برزت الحرب التى دارت رحالها فى العاصمة بين الجيش والدعم السريع كحرب مكتملة الأركان ،مما أضطر آلاف السكان لمغادرتها بصورة فردية أو جماعية، وهنا تأتى أحد هذه المحاسن التى ذكرتها للحرب ألا وهى (رجوع الناس) وليس هروبهم كما أعتدنا فى كثير من كتاباتنا، فقد رجع العديد من سكان العاصمة الى الريف فى أقاليم البلاد النشرة فى غربها وشرقها وشمالها وجنوبها ووسطها ، فكانت أن إستقبلتهم إستقبال الفاتحين إستقبالا يليق بهم كإستقبال الأم الرؤم لولدها الذى غالب عنها لسنين وانقطعت أخباره ولم يعرف أين مكانه.

وهذه العودة الطبيعية لم يكن الريف مهيئا لإستقبال تلك الجموع الوافدة إليه ولم يتحسب لها، ولكنه الريف بكرم أهله وحلاوة إستقبالهم وبشاشة وجوههم والابتسامة التى لاتفارقها فى كل الأحوال ، ولطف تعاملهم مع الصغير قبل الكبير والغريب قبل القريب، فقد جعلت فرحة العودة للريف مثلها مثل تأريخ ميلاد طفل جديد يسطر فى سجلات المواليد ويحتفى به والديه وأهله فرحا به لإنضمامه لعقد منضوم تتآلف حباته فى تواصل غير متوفر، وياله من ريف رائع يمنح الحب والدفء والحنان ويبعث الأمل فى النفوس بأن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر ، وأغلب من غادر العاصمة الى ديار أهله أو الذى ذهب الى منطقة لا يعرف فيها أحدا عندما يحدثونك عن هذه المناطق الريفية والمدن المختلفة يجمعون على أنهم أمام مجتمع يقدم خيره لغيره وراحته على راحة الآخرين بل حتى مسكنه الذى يسكن فيه يخرج منه ليستضيف فيه آخرين يحتاجون للراحة والطمأنينة ، وهكذا يقدم أهل السودان نموذجا متفردا فى التكافل والتعاون والتعاضد الذى عرفوا به ولم تغيرهم الظروف التى يعيشونها فى وقتنا الحاضر ، فهنيئا لأهلنا بماقدموه من خير سيجدوا جزاؤه عند الله تعالى (وماتفعلوا من خير فإن الله يعلمه) فقد علمتونا كيف يكون الحب والإيثار والكرم والمروءة.

Comments are closed.