حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن

105

وهاهى الحرب التى إستمرت لشهرين متتابعين فى عاصمة البلاد الخرطوم تباعد بين الناس وتفرق بينهم دون رضاهم ، لكنها إرادة الله تقبلوها بصبر وجلد وأمل أن تعود الخرطوم كما كانت تستقبل ضيوفها من الداخل والخارج بنفس عنفوانها المشهود ، حيث لم تكن الخرطوم ترفض حتى أولئك الذين يلجأون إليها من دول الجوار باحثين عن الأمن والأمان وسط أحيائها وليس فى معسكرات اللجوء التى تنشؤها الدول لإستضافة اللاجئين من بلدانهم بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية المعروفة فى قارتنا السمراء ، فكانت الخرطوم تفتح قلبها للجميع حتى كتب عنها الشعراء وتغنى لها المغنين (ياالخرطوم العندى جمالك) ، فكان جمالها جمال روح ومظهر أهلها الذين لم يكلوا من إستضافة جميع الجنسيات فى السابق وحتى قبل إندلاع الحرب فقد خرج آلاف الأجانب الذين كانت تستضيفهم الخرطوم فى أرقى أحيائها يعيشون فى أمان يتواصلون لأعمالهم منهم بسياراتهم الخاصة وآخرين بالمواصلات العامة ، لم تفرض عليهم أعباءا وقيود تقيد حركتهم ليلا أو نهارا ، حتى أنك عندما تراهم يجوبون شوارعها ويتسوقون فى أسواقها يراودك شعور بأنهم مواطنون سودانيون مائة بالمائة ، لكنك تكتشف أنهم أجانب أتوا من بلاد بعيدة يمثلون بلدانهم فى الأعمال الرسمية أو يعملون فى مهن خاصة تدر عليهم أرباحا مقدرة تجعلهم يتمسكون بالعمل فى الخرطوم العاصمة يفضلونها على كثير من العواصم الأخرى .

ولم تكن الخرطوم عاصمة للسودانيين وحدهم يجدون فيها ما يحتاجونه من أعمال وخدمات صحية وتعليمية ومالية لاحصر لها ، بل كذلك فتحت الخرطوم أبواب إستثمارتها وخدماتها لهؤلاء الأجانب وأصبحت لهم إستثمارات يشار إليها بالبنان لم يغادروها إلا بعد أن إندلعت الحرب وإستمر القتال لفترة طويلة وتأثرت إستثماراتهم وأعمالهم بها ، فكان خيار مغادرتها هو أنسب خيار لهم يتجنبوا فيه ويلات الحرب التى لم تفرق بين مواطن سودانى وذاك أجنبى ولا هذا رجل وتلك إمرأة، فكأنها حرب هدفت الى تفريغ العاصمة من ساكنيها بالكلية ، ولكن صمود بعض سكان بعض الأحياء أو معظمها جعل الحياة مستمرة حتى يومنا هذا ، رغما عن المعاناة التى عاشها الذين آثروا البقاء بمساكنهم فى مدن العاصمة الثلاث ، حيث إنقطعت خدمات المياه من بعض الأحياء طوال مدة الحرب خاصة بعض مدينة بحرى وكذلك خدمات الكهرباء تنقطع ثم تعود ثم تعاود الانقطاع مرة أخرى وأصبح فقدان الخدمات مقدور على أن يتعايش السكان معه وتلك قدرة عالية حباهم بها المولى عز وجل يستحقون أن يجدوا من يقول لهم شكرا على صبركم وقوة تحملكم فى مثل الظرف العصيب.

وحكاية من حلتنا خلال متابعتها لآثار الحرب على سكان الخرطوم العاصمة والتى عددنا بعضا منها ، حيث كان الأثر النفسى الأكثر تأثيرا على معظم السكان الكبير قبل الصغير والمرأة قبل الرجل ، مما جعل بعض الناس يغادرون مساكنهم بعد صبر طويل كانوا ينتظرون أن تضع الحرب أوزارها ويعم السلام والأمن وتعود العاصمة لعهدها السابق فى النشاط والحركة والحيوية التى أشتهرت بها سابقا ، وكما قلت فإن نقص الخدمات وزيادة أسعار بعضها منها مثل مياه الشرب والثلج والوقوف والغاز والمواصلات ، وهذه الزيادات شكلت عبء كبير على معاش الناس الذين فقد أغلبهم أعمالهم ووظائف منذ بدء الحرب وأصبحوا فى ظروف إقتصادية يحتاجون فيها للمساعدة ومد يد العون إليهم بدلا من زيادة الأعباء المعيشية عليهم ، وكذلك فإن إنفلات الأمن وتعرض الأرواح والمساكن والأموال والممتلكات لإضرار مختلفة جعل الحياة أكثر صعوبة وسيطر الخوف على أغلب الناس خاصة الأحياء التى غادرها أكثر السكان ، وبين الفينة والأخرى نسمع أحاديث بعض الناس وعدم رضاهم عن الجشع والطمع والإنانية التى أظهرها البعض بعد إندلاع الحرب وقد تساوى فيها الجميع من فر من الحرب واجه غلاء المواصلات والسكن ومن إحتمى بمنزله واجه غلاء المعيشة وإنعدام الخدمات ، ومابين هذا وذاك يظل الجشع سمة غالبة لهذه الحرب حيث إنتظر بعض الناس حدوث كارثة الحرب والتى أحاطت بمجتمعهم دون مقدمات ، وعملوا على تضييق العيش على بنى جلدتهم وإشعال نار الغلاء على جيوبهم التى ظلت تشكى من إنعدام الأموال وهم يتنافسون فى التكالب على عرض هذه الدنيا الزائل ويتناسون أن حلالها حساب وحرامها عقاب.

Comments are closed.