السودان. كيف يواجه الموظفون كارثة توقف الرواتب
رصد(صحوة نيوز )
اختار المعلم في المرحلة الثانوية سيف الدين حسن، رصيفا في سوق مدينة سنار وسط السودان ليبيع عليه بعض المواد والسلع الاستهلاكية، في محاولة لإيجاد مصدر رزق بعد أن توقف راتبه طوال الأشهر الخمسة الماضية بسبب الحرب.
يكافح حسن في عمله المتواضع لإعالة أسرته المكونة من 4 أفراد، لكن معاناته لا تتوقف هنا، إذ يواجه محنة أخرى وهي ركود حاد في حركة الشراء نظرا للتراجع الاقتصادي المريع، وتدني القدرات الشرائية لسكان المنطقة.
لكن حسن يفضل الكسب القليل بدلا من الاستسلام والجلوس في المنزل.
ورغم معاناته في الكسب، يبدو سيف الدين أفضل حالا من محمد إبراهيم، وهو موظف في أحد المؤسسات الصحية في الخرطوم، إذ نزح بعائلته إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، فلم يجد سبيلا غير الاستدانة، حيث لم تكن لديه أي مدخرات عندما اندلعت الحرب.
ويقول إبراهيم لإنه لم يترك بابا إلا وطرقه في سبيل الحصول على مصدر للكسب المادي بعد انقطاع الرواتب، وفي نهاية الأمر بات يعتمد على الاستدانة، وتراكمت عليه الديون وازدادت معاناته وهو يعيش وضعا قاسيا وظروفا غير إنسانية، كما يقول.
وأعرب إبراهيم عن أمله في أن تتوقف الحرب عاجلا لأن الوضع لا يحتمل مزيد من المعاناة، ويضيف: “حياتنا تكاد تتوقف بالكامل ولا أحد يساعدنا، نفتقد لأبسط مطلوبات الحياة. الأمر صار متعلقا بالأكل والشرب
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف شهر أبريل الماضي توقفت الرواتب بشكل كامل، الأمر الذي وضع حياة 4 ملايين شخص على الأقل يعملون في قطاع الخدمة العامة في السودان على المحك، حيث باتوا يواجهون أوضاعا معيشية قاسية.
ومع توقف الرواتب، تتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية بشكل مضطرد بعد تعطل المصانع المحلية المتمركزة في العاصمة الخرطوم عن العمل، ولجوء التجار إلى سد الفجوة عبر الاستيراد من دول الجوار.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى ارتفاع أسعار مجمل السلع الاستهلاكية بمتوسط يصل إلى 200 بالمئة، خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب في الخرطوم، بينما لم يتسن توزيع المساعدات الإنسانية التي وصلت البلاد على المتأثرين بالصراع نظرا لعدم وجود ممرات آمنة.
ويقول حسن إن “الأجور كانت متدنية للغاية قبل اندلاع الحرب، وكان الراتب ينفد خلال الـ10 أيام الأولى من الشهر، ويظل الموظف في معاناة مستمرة ويقوم بتغطية العجز عن طريق الاستدانة من أصحاب المحال التجارية”.
ويضيف: “من المؤكد سوف يتفاقم العجز المالي للموظفين وتتراكم عليهم الديون، وربما لا يجدوا من يدينهم بعد اليوم نظرا لفشلهم في السداد طوال 5 أشهر، فهذا يمثل أكثر الأوجه المأساوية للحرب التي يجب أن تتوقف اليوم قبل الغد”.
وسعت الولايات السودانية التي لم تشهد عمليات عسكرية لتخفيف العبء عن موظفيها، من خلال منحهم حوافز مالية وسلال غذائية محدودة تغطيها من مواردها الذاتية، لكن هذه المحاولات كانت بمنزلة نقطة في بحر معاناة هؤلاء الموظفين.
ويشير عضو لجنة المعلمين السودانيين علي أبو بكر إلى أن شريحة المعلمين وعددهم يفوق الـ300 ألف، هم الأكثر تأثرا بالحرب، حيث كانوا يعانون ضعفا في الرواتب، وقد أحالهم الصراع المسلح هذا إلى وضع كارثي.
ويقول أبو بكر في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “المعلمين ليس لديهم بدائل لكسب الرزق ولا يملكون وسائل إنتاج أو أراض، كما أنهم لم يتمكنوا من ادخار أي مبالغ او أصول نتيجة لضعف رواتبهم”.
ويضيف: “نقود حراكا في كل الولايات السودانية ورفعنا مذكرات للجهات الحكومية، تدعو إلى ضرورة صرف رواتب العاملين في قطاع التعليم، لأن الأمر متعلق بالحياة وليس مجرد رفاهية”.
وتابع: “لم يحدث في تاريخ العالم أن شهدت دولة حربا وعجزت عن دفع رواتب العاملين لـ4 شهور متواصلة، فمن المستغرب أن يصمد العاملون كل هذه المدة القياسية. يجب أن تتوقف هذه الحرب سريعا”
وجرى إغلاق كافة المؤسسات التعليمية في السودان إلى أجل غير مسمى نتيجة استمرار الحرب، كمات توقفت غالبية الدوائر الحكومية، فيما بدأ العاملون في الحقل الطبي في بعض المدن مثل الأبيض، إضرابا يطالب بصرف الرواتب.
ويقول المحلل الإقتصادي أحمد خليل لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “الحكومة عجزت عن دفع الرواتب بسبب توقف الإنتاج والإيرادات، فمن المعلوم أن الموازنة تعتمد على الضرائب والجمارك بشكل أساسي لمقابلة المصروفات”.
ويشير خليل إلى عدم وجود أي بدائل يمكن أن تلجأ لها الدولة في وقت الأزمة الراهنة للوفاء برواتب العاملين في الخدمة العامة، وأن المدخل الوحيد هو وقف الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع فورا.
Comments are closed.