الزين صالح يكتب : ديمقراطية صراع المنبتون سياسيا

36

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن غياب النشاط الفاعل للقوى الديمقراطية في المجتمع، و جعل دورها ينحصر فقط في المراقبة دون أن تقدم رؤيتها السياسية، سوف يسمح لقوى غير ديمقراطية أخرى أن تملأ الفراغ الذي تخلفه، و تبدأ أن تطرح رؤيتها من خلال شعارات عديدة تحدث إرباك في الوعي السياسي. و لا تقف المسألة في حدود الإرباك، أيضا سوف تستلف لسان القوى الديمقراطية و تحاول أن تدس مصطلحاتها التي تشوش بها على إنتاج الثقافة الديمقراطية التي يجب أن تنداح على الثقافة الشمولية و تحاول محوها من الساحة السياسية. كما هناك البعض الذين يحاولون التشويش على المواطنين و حتى على الأجيال الجديدة بالقول؛ أن الوقوف مع الجيش في معركته ضد الميليشيا تعد موقفا خطأ، لأن جنرالات الجيش سوف يستفيدون منه، و يحاولون فرض واقع جديد بعيدا عن المسار الديمقراطي، هي محاولة للإلتواء، الهدف منها و بطريق غير مباشر مساندة دعوة التسوية مع ميليشيا الدعم لكي لا يجعلونها تغيب عن الساحة السياسية في المستقبل، و بالتالي تأجيل الحرب لوقت أخر.

أن الحرب بالضرورة سوف تفرز واقعا جديدا، و أيضا سوف تفرز قيادات جديدة تحمل رؤى جديدة يجب أن لا تغيب عنها عملية التحول الديمقراطي. كما أن التلاحم الذي يحصل الآن في البلاد بين الشعب و الجيش يجب أن تستفيد منه القوى الديمقراطية بإزالة الرواثب النفسية التي خلفتها صراعات السلطة في الماضي. إطلاع القوى الديمقراطية بدورها و العمل على نشر ثقافتها سوف يمكنها أن تفرض شروط الديمقراطية بعيدا عن استلاف ثقافة مناهضة لها. و من شروط الديمقراطية أن لا تتعامل بالفزاعات التي تضخ في الساحة من قبل أصحاب الثقافات الشمولية و الأيديولوجيا اليمينة و اليسارية، أن خلق بيئة التصالح بين القوى الديمقراطية و الجيش و التي يعرف كل حدوده فيها بعيدا عن الهتافات و لغة التخوين سوف يساعد على خلق واقع جديد، داعم لعملية الاستقرار السياسي و الاجتماعي، و مساعد لعملية التحول الديمقراطي. إذا استطاعت القوى الديمقراطية أن تنهض بنفسها، و تملأ الفراغات التي خلفها غيابها عن الساحة، تصبح جديرة أن تحول كل الصراعات الصفرية الدائرة الآن في الساحة إلي حوارات موجبة تتخلق فيها البيئة المطلوبة للنهضة و الديمقراطية.

أن حالة الضعف التي تعيشها الأحزاب السياسية بسبب طول فترة الإنقاذ التي أثرت سلبا على الثقافة الديمقراطية ، و في ذات الوقت عملت على تشظي الأحزاب و تفتيتها من خلال الإغراءات لبعض قياداتها. إلي جانب ضيق مساحة الحريات، هذه الممارسات السالبة قد جعلت الأحزاب عاجزة عن إنتاج المعرفة و الأفكار و الثقافة الديمقراطية، و غياب الأخيرة يعود لضيق المواعين في الأحزاب السياسية. مما أدى إلي انعدام الحوارات الفكرية و السياسية داخل الأحزاب خفض درجة الوعي السياسي، و انتج نخب ذات قدرات متواضعة لا تعرف غير التسبيح بأسم الكارزما و القيادات التاريخية القابضة على مفاصل الحزب.

أن التغييرات التي حدثت بسبب نهاية الحرب الباردة في القرن العشرين، و بسببها خرجت العديد من العضوية في الأحزاب اليسارية و القومية، هؤلاء خرجوا يبشرون بالديمقراطية و يريدون استخدام ذات ثقافتهم الماضية، و ذات مصطلحتها التي انعدمت و توقف التعامل بها في العديد من الدول التي خرجت من عباءة اليسار، هؤلاء خروجهم لم يحدث فيهم تغيرا، غير مغادرتهم لأحزابهم، حتى أنهم قد حملوا معهم ذات الفزاعات و عبارات التخوين و العواطف السالبة، دائما هم ضد، عجزوا أن ينتجوا فكرا جديدا يعبر عن قناعتهم الجديدة إلا القلة منهم، هؤلاء أصبحوا كتل صماء لا يخترقها الضوء، لا بقوا في أحزابهم و عملوا من أجل التغيير، و لا خرجوا لكي يرفدوا الساحة بأفكار جديدة تدعم عملية التحول الديمقراطي، تجدهم يمارسون ذات الثقافة القديمة عندما كانوا داخل أحزابهم. هؤلاء صبحوا يشكلون تحديا حقيقيا لعملية التحول الديمقراطي. و يحاولون أن يغبشوا الأفكار الديمقراطية بمصطلحات لثقافات مغايرة مناهضة للديمقراطية، الأمر الذي خلق بلبلة بعد ثورة ديسمبر 2018م. حالة لم تكن موجودة بعد انتفاضة إبريل باعتبار أن صراع الحرب الباردة كان يحتفظ بهؤلاء داخل أحزابهم. و لكن بعد سقوط حائط برلين دخلت فئة جديدة في الساحة السياسية و هي فئة تشابه فئة ( المنبتين) هؤلاء يقفون على حافة كل شيء و يمارسون فقط الصراخ.

أن نجاح العملية الديمقراطية في السودان لا تتم من خلال الشعارات الجوفاء التي لا تنزل على الأرض، أنما تحتاج إلي إبداع حقيقي يضخ أفكارا جديدة في الساحة يخلق بها حوارا على المستويين السياسي و الاجتماعي، و بسبب ضعف الثقافة الديمقراطية في البلاد الكل يحتاج أن يشارك في الحوار بسعة الصدر و انفتاح العقل و ليس بالفزاعات و ادوات التخوين و الإقصاء. و هي أدوات العجز و الفقر الثقافي و الفكري. البلاد بقدر ما هي في حاجة لاتساع رقعة القوى الديمقراطية اجتماعيا أيضا محتاجة إلي ثقافة اليمين و اليسار لخلق التوازن المطلوب، و يحتاج الكل أحترام القوانين و اللوائح و الأعراف الاجتماعية. معلوم للكل أن التغيير أهم أدواته الفكر، و هو الشيء المعدوم الآن تماما كيف يستطيع المرء أن يحدث تغييرا دون أن يحدث تغييرا في فكره يتماشي مع معادلات التغيير. أننا نحتاج أن نغير أدوات الصراع من أدوات العنف و العنف الفظي إلي أدوات الحوار و التفاوض لكي نخلق قاعدة للثقة في المجتمع. “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” صدق الله العظيم.

Comments are closed.