حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن

36

فى سبعينيات وثماننيات القرن الماضى سادت ممالك ثم بادت تغيرت حياة كثيرة من المجتمعات فى بلادنا السودان ، توسعت الأسر الممتدة وأصبح الأبناء أباء وأمهات ورزقهم الله بالبنين والبنات ، وانفتحت أبواب الهجرة على علاتها الى العاصمة والمدن الكبرى لبعض شباب هذه الأسر من الجنسين بغرض التعليم والعمل والعلاج ، يمضوا بها أوقاتا تطول وتقصر ثم يعودون الى أسرهم بثقافة جديدة خاصة بعض أبناء الأرياف والمدن الصغيرة ، ثقافة مكتسبة من العاصمة ومختلفة ثقافة أريافهم التى أتوا منها ، لكنها فى ذات الوقت تمتزج بروح التغيير الذى قد يراه أهل الريف مغايرا لثقافتهم لابد من محاصرته ورفضه وإستنكار من يفعله والنظر إليه بنظرة تحمل فى غالبها الإستهجان والتندر ، فتسمع عبارة دا لبس أولاد الخرطوم أو دا أكل أولاد الخرطوم ، حتى حديثهم يجد من يسمعه بعين السخط وهى بالطبع تبدى المساويا ، ويالها من عيون ترصد كل ماهو آتى إليها من عاصمتهم بلادهم التى تأتى أخبارها منقولة بألسنة تكثر من المساوى وتضخمها ، وتقلل من المحاسن وتخفيها ، ومابين المساوى والمحاسن تتصارع الثقافة الوافدة مع الثقافة المحلية بحثا عن موطئ قدم يساعد فى إنتشارها وإن طال الزمن وتغيرت الظروف والأحوال .

وحكاية من حلتنا طافت بها ذكريات لتلك الحقب عندما كان الإقتصاد يعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية وكانت لها صولات وجولات فى الصادر خارج البلاد وضخ العملات الأجنبية فى خزينة الحكومة ، وكان الإقتصاد مزدهرا لم يعرف الناس الهجرة الى الخارج بمثل ما شهدنا فى السنوات التى أعقبت هجرة الزراع لحقولهم الخضراء بإنتاجها الوفير ، بحثا عن عمل يعينهم على معاش أسرهم ، ولكن هيهات أن يجدوا ما يحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم ويملأ لهم جيوبهم الفارغة من المال ، فلا هم عادوا الى أرضهم لفلاحتها ولا وجدوا ما يكفيهم ويسد حاجتهم الضرورية للحياة ، وحرب الخامس عشر من أبريل الماضى عادت بكثير من أهل الريف الى أريافهم ووجدوا حياة الريف التى تركوها لا تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها الراسخة حيث الزراعة التقليدية تحتل مساحة كبيرة رغما عن دخول الحراثة بالآليات الحديثة وتشكل الوابورات نواتها الأساسية فى إدارة عمليات الفلاحة الحديثة ، لكنها لم تستطيع أن تغير واقع الزراعة التقليدية بالآلات اليدوية مثل الحشاش والطورية والفأس والفرار والكناسة والمنجل ، وهى صديقة دائمة للمزارع لايتخلى عنها فى كل الأوقات صيفا وخريفا.

وتعتبر الدواب هى الوسيلة المساعدة للمزارعين فى حركتهم اليومية جيئة وذهابا من القرى الى المزارع ، حيث يمتطئ أغلبهم الحمير وبعضهم الجمال وهى من نعم الله تعالى على الناس يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لاتعلمون) آية ٨ النحل ، وهناك آخرون يذهبون ويعودون راجلين حتى إنقضاء موسم الخريف وهى مهمة شاقة ومتعبة لكنهم تمرسوا عليها وتحدوا صعابها وأصبحت حركتهم أسهل مما نتصور حيث يقطعونها فى زمن قليل ، ويعودوا بعدها الى ممارسة حياتهم الطبيعية وكأن شيئا لم يكن ، لايخلدون الى الراحة تجد النساء ينهمكن فى إعداد الطعام والشراب وغسل الأوانى والملابس وجلب الماء ، يشاركن فى خدمة الأسر دون أن يتعللن بأمراض أو غيرها ، ويسجلن موقفا إيجابيا فى المشاركة فى إستقرار أسرهن إقتصاديا واجتماعيا ، ورغم ذلك الرهق والمعاناة إلا أن الحياة تسير بسهولة دون أن تشوبها شائبة فالكل يلتقيك مبتسما يفتح قلبه يحمل فى داخله كل حب وخير وطمأنينة .

Comments are closed.