حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن

47

ترتسم على وجهك إبتسامة الرضا والفرح وتسبقك عبارات الشكر والحمد لله تعالى عندما تسمع أصوات الأطفال و الصبية الصغار من الجنسين يرددون فى تناغم وصوت واحد ما يصدر من معلمهم الذى يبدأ فى تلقينهم أولى أحرف القراءة العربية ، وتزداد راحتك عندما تقرب منهم وتجد أن أصواتهم تخرج من داخل مكان تحفيظ القرآن الكريم كلام الله تعالى ، وهنا فى بلادنا السودان نسميها ب(المسيد أو الخلوة) وهى تعلم الأطفال كيف يقرأون القرآن الكريم ويحفظونه بروايات مختلفة أشهرها رواية (حفص عن عاصم) وتليها روايتئ الدورى وورش ، ويتلقى الأطفال تعلميهم القرآنى فى هذه الخلاوى وهم جلوس على الأرض لاتمييز بينهم الكبير قبل الصغير ومعلمهم (شيخ الخلوة) لايتوقف عن تلقينهم إبدجيات الحروف العربية تسمعه يردد (أليف باء تاء ثاء) وهم يرددون خلفهم بصوت عال (أليف باء تاء ثاء) وتسمع آخرين (آ نصب إ خفض أ رفع أ جزم ) دا حرف الألف وينطق بالنصب والكسر والضم والجزم ، وهكذا بقية الحرف ولهم فنونا فى التحفيظ يسهل معها الحفظ فى سنين قصيرة ويشب الأطفال حافظين ومجودين للقرآن الكريم .

وتنتشر مئات الخلاوي والمسائد فى بلادنا السودان فى جميع المناطق وتشتهر أغلبها بتواجد الحفظة فى داخليات تنشأ خصيصا لمساعدتهم للبقاء فيها لأطول فترة ممكنة ، وهم يأتون إليها من داخل وخارج البلاد بنية حفظ كتاب الله تعالى تحفهم دعوات أهلهم ومعارفهم بأن يوفقهم الله فى نيل ذلك الشرف العظيم الذى يجعلهم من أهل الله وأهل خاصته ، وهناك خلاوى ليس بها داخليات يأتى إليها الحفظة من منازل أسرهم ثم يعودون إليها مجددا فى الأوقات التى تحدد إليهم ، وهى فى الغالب الأعم بعد صلاة الصبح حتى شروق الشمس وتسمى (الدغشية) وبعد صلاة الظهر حتى صلاة العصر وتسمى (الظهرية) وبعد صلاة المغرب حتى العشاء وتسمى (المغربية) ، وفى الدغشية والمغربية توقد النار للإضاءة وتسمى (التقابة) وهى كانت الى وقت قريب أحد معالم الخلاوي والمسائد عندما كانت الكهرباء غير متوفرة إلا فى المدن الكبيرة وعاصمة البلاد ، وكان الحفظة يذهبون الى الخلاء لجلب الحطب ويسمونها ب(الفزعة) لتوفير كميات كبيرة منه كوقود للتقابة التى تشعل فى اليوم مرتين فى الدغشة والمغربية وعلى نارها يتحولق الحفظة كل يقرأ فى لوحه الذى مطلوب منه تسمعيه فى الظهرية ويتنافس الحفظة فى إكمال الحفظ فى سنوات قليلة لينالوا شرف التخرج وهم يحفظون كتاب الله عن ظهر قلب ويالها من نعمة يتمناه أهل الإسلام حتى وإن ظهرت علامات الشيب عليهم فشوقهم لحفظ القرآن الكريم لايدانيه شوق .

وحكاية من حلتنا أبهجها منظر الصبية الصغار وهم جلوس يتلقون بدايات التعلم وأصواتهم ترتفع تارة وتنخفض أخرى وهم أكثر سعادة بهذه الفرصة العظيمة التى منحتها لهم حرب الخامس عشر من أبريل الماضى ، حيث توافدت آلاف الأسر الى الأرياف ، وبدأت مثل هذه المبادرات الإجتماعية من البعض لملأ فراغ الأطفال خلال فترة تواجدهم بين ظهرانيئ أهليهم وذويهم ، وكانت سعادة الأطفال ظاهرة على وجوههم ، تراهم يسعون جيئة وذهبا بين منازلهم وخلوتهم التى يترددون عليها فى الأوقات التى حددت لهم ، ومعلوم أن الأطفال لهم شغف وحب للمعرفة وتعليم وإكتساب المعارف الجديدة ، والقرآن الكريم أشرف العلوم التى يحتاجها فى حياته ومستقبله ، ولم تمضى أيام إلا وتسابق الأطفال للتعلم والحفظ والمنافسة فيما بينهم ، فتسمع صوت أحدهم يردد الأليفات ، وآخر يقرأ ما حفظه ، وآخر خارجا من الخلوة يرفع صوته بالأذان أو الإقامة ، ويتسابقون بعضهم البعض ليقفوا أمام (الشيخ) لتسميع ما قاموا بحفظه من القرآن الكريم ، ويستمرون على ذلك وهم أشد حرصا على التفوق والتميز بين أقرانهم ومنافسيهم ويرتلون آياته ترتيلا إمتثالا لقول الله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) .

Comments are closed.