الزين صالح يكتب : الوعي السياسي بين أسمرا و أديس أبابا

37

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

عقدت كتلة الحرية و التغيير ( الديمقراطي) و معها بعض الحركات و التنظيمات الأخرى اجتماعا في العاصمة الاريترية ( اسمرا) في اليومي الماضيين، و لم يصدر المجتمعون بيانا يوضحوا فيه سبب الاجتماع في اريتريا، و هل كان الاجتماع بدعوة من الرئيس أسياس أفورقي، أم كان مقترحا من إحدى التنظيمات التي حضرت الاجتماع؟ أم هناك جهة قد حضرت للاجتماع مع القيادة الاريترية؟ و هي التي دعت القوى السياسية الأخرى؟ و إذا كان الاجتماع بدعوة من الحكومة الاريترية، لماذا لم يحضر الاجتماع أحد اعضاء الحكومة؟ أسئلة عديدة تتعلق بالاجتماع و الهدف منه و علاقته بأجندة الحرب أو أجندة ما بعد الحرب، و لماذا قررت هذه القيادات أن يكون اجتماعها خارج السودان، رغم هناك أخبار قد اشاعت أن هناك تحضيرا لاجتماع سوف يعقد بأركويت بشرق السودان.

واحدة من إشكاليات النخب السياسية الآن، و التي تقبض على مفاصل العمل السياسي، أنها في حالة من المبارزة و التباري فيما بينها، من الذي يستطيع أن يهزم الأخر بالضربة القاضية؟ إذا خرجت مجموعة من السودان تبحث عن العودة للسلطة، أو حتى عودتها للساحة السياسية، تبعتها الأخرى أيضا تبحث لها عن عواصم أخرى تسمح لها أن تعقد اجتماعات حتى لا يقال إنها تفتقد لعلاقات خارجية تسند مصالحها. هذه العقليات لا اعتقد سوف تكون جديرة أن تقدم رؤى تخرج البلاد من أزمتها. فالذين يريدون بناء الأوطان لابد أن يدرسوا المتغيرات التي تحدث في المجتمع. هذه الحرب و أفرازاتها تمثل أكبر مأساة في تاريخ السودان الحديث، و جعلت البلاد في أصعب خيارات تهدد وجودها، إذا لم تستطيع النخب السياسية أن تغير طريقة تفكيرها، لا اعتقد أن هؤلاء سوف يكونوا صالحين من أجل الوطن و المواطن، و يجب عليهم أن يراجعوا خياراتهم، و يجعلوا الرهان فقط على الشعب و ليس للنفوذ الخارجي، هذا النفوذ الخارجي وقف عاجزا أمام المتغيرات في عرب أفريقيا، ليس بسبب قوة خارجية ضد الأخرى، بل بسبب مواقف شعوب تلك البلاد أين تقف.

أن الحرب الدائرة الآن قد أدت لتحولات و تغييرات كبيرة في المجتمع و عامة الناس، و أي شخص فاعل في العمل السياسي لابد له أن يخضعها للدراسة و البحث في منظوري التعبئة و الشعار السياسي؛ و يسأل نفسه، هل الشعارات المطروحة الآن هي ذات الشعارات التي كانت قد خرجت اثناء الثورة، أم حدث فيها تغييرا، و ما هي درجة لماذا حدث التغيير و تأثيره على مستقبل العمل السياسي في البلاد؟ ما هي انعكاسات الانقلابات التي حدثت في غرب أفريقيا على الحرب في السودان؟ و أيضا ما هي نعكاساتها على الصراعات الإستراتيجية في العالم و على أفريقيا و السودان؟ الإجابة على هذه الأسئلة ضرورية، لأنها تبين مقدرات القيادات السياسة على إدارة الأزمة في المستقبل. أثبتت الفترة الانتقالية التي أصابها العرج أن القيادات السياسية عاجزة أن تقدم حلول للأزمة السودانية، و الذي حصل و أدى للحرب هو من بنات أفكار صناع القرار ما يسمى المجتمع الدولي. و هذا يقودنا للموقف الأمريكي من الحرب لماذا بدأت تغير إستراتيجيتها الأولى؟ من التجربة السابقة للتجمع الوطني الديمقراطي أن الخارج لا يقدم حلولا لصالح السودان بل يراعي مصلحته أولا و أخيرا، و يبني حلوله وفقا لمصالحه، خاصة إذا كان الصراع بين المكونات السياسية هي صراعات صفرية لا تقبل مبدأ الحوار و لا التنازلات المتبادلة من أجل الوطن و الحفاظ على وحدته. الذين يتبنون مبدأ الصراع الصفري لا اعتقد عندهم الإرادة للتحول الديمقراطي، هذه العقليات قد أصابها العقم بحكم جلوسها في فترات طويلة على القيادة إذا كانت في أحزاب طائفية أو أيديولوجية، فالذي ليس لديه الفكرة لمغادرة مقعده في الحزب إفساحا لأجيال جديدة لها لها تصورات مغايرة لا اعتقد أن يكون مفيدا في عملية التحول الديمقراطي. الأحزاب تمثل القاعدة الأساسية للديمقراطية و بناءها يبدأ من تحت و ليس من فوق. و يقول المثل فاقد الشيء لا يملكه.
السؤال الفلسفي الذي يجب أن يجيب عليه أصحاب الفكر الماركسي و اتباعهم ثقافيا؛ هل الكمبرادور هي طبقة فقط رأسمالية متحالفة مع رأس المال الأجنبي، أم أيضا تكون مجموعة من السياسيين مرتبطين بمصالح تخدم رأس المال الأجنبي؟ و لماذا يتم نعتهم بأنهم حلفاء للمصالح الغربية، و عندما تكون سياسية يتم التغافل عنها؟ و أيضا لماذا ينعت الكبرادوري و ربطه برأس المال، و لا يتم نعت خدم المنظمات الأمبريالية بذات الصفة؟ هل لآن هؤلاء أصبحوا أكبر داعمين لميزانيات الأحزاب يتم التغافل عنهم؟ السياسيون السودانيون لم يتعودوا على طرح الأسئلة الصعبة؟ و هذه تعود للمعايير المزدوجة. لذلك بدأت الأحزاب تصدر وعيا زائفا لا يتكيء على الحقائق. فالشعوب التي خرجت من عباءة التخلف و صعدت سلم النهضة و الاستقرار السياسي و الاجتماعي طرحت الأسئلة الصعبة بقوة و جاوبت عليها من خلال العديد من مؤسساتها التعليمية و مراكز الدراسات و تنظيماتها المدنية و أحزابها، و أصبحت جميعها تعمل بتناغم لخلق وعي جديد يتماشى مع المتغيرات في الداخل و الخارج. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.