الزين صالح يكتب: الاتحاد الأفريقي حائرا بين الرؤى و الحل

43

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
بدأ مناديب الإتحاد الإفريقي و الإيقاد سماع أراء القوى السياسية و المدنية المتواجدة خارج السودان في كل من القاهرة و أديس أبابا، و المقصد من ذلك كما أشار مناديب المنظمتين العمل من أجل بدأ حوار سياسي جامع لكل القوى السياسية و المدنية، بهدف وقف الحرب و تشكيل حكومة مدنية، و كان لمتوقع ان تقدم المنظمتان ورقة تبين فيها الأسباب التي قادت للحرب من وجهة نظرها، باعتبار أن المنظمتين كانتا راعيتان للحوار السياسي قبل الحرب، و الذي كان محصورا في دائرة ” الاتفاق الإطاري” حتى يمكن تفادي تلك الأسباب أو عدم تكرارها. و كان مناديب المنظمتان قد عقدا اجتماعا مع قوى سياسية و التي تضم الحرية الكتلة الديمقراطية، و التراضي الوطني، و الجبهة الثورية، و أيضا قوى مجتمعية من الإدارة الأهلية و الصوفية في القاهرة، إلي جانب عقدهم لقاء أخر مع قوى الحرية المركزي أيضا في القاهرة. و كان قد صدر بيان صحفي من المشاركين في الاجتماع الأول يبين ملخص مادار في الاجتماع الذي تبلور في خمس نقاط هي :-
1- أن المدخل الصحيح للحل وقف اطلاق النار مع الالتزام الكامل من قبل الأطراف ببنود المسودة التي كانت قد وقعت في جدة.
2- أن يكون الحوار شاملا لا يقصي أحدا.
3- أن يكون الحوار سوداني سوداني دون تدخل من أي اطراف خارجية.
4- أن تتولى لجنة وطنية متوافق عليها مهام إدارة الحوار.
5- ضرورة اتفاق الأطراف على مكان الحوار مع التأكيد على تنظيم ورش تشاورية للأطراف السياسية و المدنية و الأهلية لبلورة رؤيتها حول القضايا.
و حملة صفحة صحيفة ” سودان تربيون” أن مناديب المنظمتان قد عقدوا اجتماعا منفصلا مع قوى الحرية و التغيير المركزي و قد طرحوا عليهم مقترح إجراء مشاورات مع حزب المؤتمر الوطني. و قد رفضوا المقترح. قالت الصحيفة (قال قيادي في “الحرية المركزي” مفضلا حجب اسمه ان الاتحاد الافريقي أبلغهم برغبته في اجراء مشاورات مع حزب المؤتمر الوطني لأشراكه في الحوار الذي يعتزم تنظيمه بالاشتراك مع الايقاد والأمم المتحدة.) و أضاف قائلا ( قد ابلغناهم أن اي محاولة لإدخال المؤتمر الوطني تعني فشل العملية و أن كل القوى الديمقراطية الأخرى لن تشارك في اي عملية فيها المؤتمر الوطني وواجهاته) بعيدا عن العواطف و حالات الاستقطاب التي تمكن من النخب على مختلف مدارسها و تياراتها: يصبح السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأسباب التي جعلت مناديب المنظمتان يطرحوا إجراء مشاورات مع المؤتمر الوطني لكي يكون جزءا من الحوار؟ لآن أي حوار يجرى بين القوى المختلفة في أرائها و التي لها أثرا في الأزمة التي قادت للحرب. الملاحظة الأخرى أن القوى الريديكالية كتنظيمات لا تستطيع أن تتحدث بلسانها لذلك تستلف لسان الجمع في محاولة لتقوية موقفها الذي يفضحه الواقع.

قالت الحرية و التغيير ” المركزي” أن أعضاء النظام السابق هم الذين اشعلوا الحرب، و هم وراء انقلاب 25 أكتوبر، و هم الذين يسيطرون على قيادة الجيش و غيرها، و في نفس الوقت أن الحرية ” المركزي” تريد إقاف الحرب و الدخول في تفاوض، أذاً مع من تتفاوض الحرية المركزي مع الذي يفكر و يخطط و ينفذ لاستمرار الحرب، أم مع الأدوات التي يستخدمها في الحرب؟ الأجنبي الذي يراقب القضية السودانية من الخارج لا يتعامل وفقا لحالة الفرز و الفصل و الاستقطاب التي تتم بين القوى السياسية و النخب السودانيين، هناك صراع على السلطة من مكونات مختلفة، هو هناك قوى متهمة من قبل قوى سياسية أخرى إنها وراء كل الأفعال التي يعتقد أنها تشكل عائقا للحل، فالخارج سوف لن يبعدها عن الحوار حتى يضمن عدم إعاقة أي حل يمكن الوصول إليه مستقبلا، فالذي يؤكد مشاركة المؤتمر الوطني أو قول الإسلاميين ليس الخارج.. بل الذين يتهمونهم بهذا النشاط و الافعال. فإذا كانت قيادات الجيش منتمية لهؤلاء حسب رؤية قوى الحرية المركزي. كيف تستطيع قيادة الجيش أتخاذ قرار بوقف القتال دون استشارة قيادتهم السياسية؟ و كيف تضمن أن قرار وقف النار سوف يستمر و الذين لديهم القدرة على التحدى بعيدين عن أي اتفاق؟
أن الاجتماع الأول الذي قده مناديب المنظمتان لم يرفض المقترح و دليل على ذلك أنه ورد في الفقرة الثانية من بيانهم الصحفي (أن يكون الحوار شاملا لا يقصي أحدا.)إذاً الخلاف والانقسام واضح بين القوى السياسية و المدنية، الأمر الذي يؤكد أن النخب السياسية رغم هذه الحرب الشرسة التي تكاد أن تمزق الوطن، ظلت محتفظة بطريقة تفكيرها القديم، و فشلت أن تقدم مبادرات وطنية تتجاوز بها رغائب السلطة. و السعي للسلطة لا تجعل صاحبها يفكر بعيدا عن دائرتها الأمر الذي يغيب الوطن عن المخيلة تماما.

كان المتوقع؛ من قبل كل القوى السياسية، و المدنية، و المجتمعية من قيادات في الإدارات الأهلية و الطرق الصوفية، أن تنظر للقضية بعقلانية بعيدا عن رغائبية السلطة، و العمل ككتلة وطنية تريد أن تؤسس لوطن أمنا مستقرا سياسيا و اجتماعيا، و أن تعمل من أجل وقف الحرب على أن يكون هناك جيشا واحد هو وحده الذي يملك حق أحتكار السلاح في البلاد. ثم إلي مصالحة اجتماعية وطنية تصبح كتلة تمنع التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي للبلاد، و أن توظف كل طاقات الشباب من أجل البناء و التعمير. لكن ماتزال القوى السياسية حتى الآن لم تتعظ. الأمر الذي يجعل صيحاتها في وادي أخر، لا يسمع له صوتا في الداخل يساعد على التغيير. و يصبح رهان المستقبل على الأجيال الجديدة أن تتخذ من الحرب وقفة لكي تراجع كل التراث السياسي السوداني، لكي تعرف و يتبين لها أين مكامن الإخفاق و أسباب الفشل، و التحديات التي تواجه عملية النهضة في البلاد، حتى تستطيع الأجيال الجديدة أن تشق لها طريقا جديدا مغايرا يصبح الوطن الأول. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.