دعوة البعث للمحافظة أم للتجديد؟
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن أي دعوة للإصلاح تنطلق من عناصر سياسية ذات انتماء، أو عناصر تعمل في مجالي الفكر والثقافة، وتهدف إلي إعادة النظر في المرجعية الفكرية، إلي جانب محاولة معرفة التغييرات التي حدثت في المجتمع المعني، أو في العالم، تكون الدعوة ذات تقدير وأحترام، وهي الخاصية التي تفتقدها الأحزاب السياسية السودانية، وأيضا هي الغفوة التي تجعل تلك القيادات لا تستفيد من التجارب السابقة لأنها لا تخضعها للدراسة والبحث. أن البروف محمد شيخون أحد رموز القومية العربية وأحد الأضلاع المهمة في تكوين البعث العربي الاشتراكي، قد بعث بعدد من الدعوات التي تتضمن العديد من الأسئلة حول عدد من القضايا، أولها المرجعية الفكرية، وقد وصلتني الدعوة ، وهي غير معنونة بالإسم مما يدل أنها وزعت لعدد واسع من يعتقد البروف يمكن أن يساهموا في الإجابة على الأسئلة المطروحة.
تقول الدعوة كما جاءت (السلام عليكم .. كما هو معروف أن الجانب الفكري في الحزب هو من اختصاص المؤتمرات القومية، وآخر مؤتمر كان قبل ثلاثين عاما، شهد العالم متغيرات هائلة في مختلف الميادين، ومن المؤكد أنها انعكست على الواقع العربي سلبا وايجابا، وإذا ما أردنا أن نستوعب المتغيرات فكريا بما يتصل بأهداف الحزب التي تمثل أركان نظرية أو أيديولوجية نجد أن أفكار الحزب لم توثق في مصادر موحدة لكي تنطلق منها لتطوير فكر الحزب، وإعداد مشاريع في هذا الجانب تطرح على أول مؤتمر قومي.. فهل لديكم آراء بهذا الجانب؟) أولا الشكر للبروف على الدعوة، الثاني فاليعذرني البروف على التفكير بصوت عالي، خاصة أن السودان في أمس الحاجة لمثل هذه الحوارات والتصورات بهدف استنهاض العقل، وكما قال المفكر القومي عبد العزيز حسين الصاوي أن تآكل الثقافة الديمقراطية في السودان بسبب النظم الشمولية وتراكم ثقافتها لنصف قرن ونيف، تعتبر خصما على الثقافة الديمقراطية، مما يؤدي إلي تعثرها، مما يستوجب من المفكرين والمثقفين أن المساهمة في عملية الاستنارة من خلال مشروع قومي..
أن تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي الطويلة لم تكن خارج سياق السلطة بل كان حاكما في قطرين سوريا والعراق، ولكن طوال سنين حكمه أن ممارسته داخل السلطة لم تلامس شعاره “وحدة حرية أشتراكية” هل بالفعل كان بسبب أن الحزب يؤمن بدولة الحزب الواحد، أم أن هناك أختلالا في الشعار نفسه من الناحية الجدلية. بمعنى هل كل الخيارات الثلاث في الشعار هي مربوطة جدليا، بمعنى تحقيق واحدة منهم يسوق مباشرة للأخرى بشكل تفاعلي. أم أن التجربة أثبتت عكس ذلك؟ مما جعل النظامان يديرا ظهريهما للشعار. رغم أن الشعار يعد بمثابة خارطة عمل منهجية للحزب. القضية الأخرى هل فلسطين ماتزال تمثل القضية المركزية للبعث؟ أم تعددت القضايا المركزية حيث أصبح لكل قطر قضيته المركزية التي تهم شعبه؟ خاصة أن العديد من الدول العربية الآن تعاني من مشاكل بعضها يهدد الدولة في الحفاظ على سيادتها، كما يحدث في سوريا والعراق والسودان واليمن والبحرين وغيرها. ودول أخرى أعلنت التصالح مع المحتل وأقامت معه علاقات دبلوماسية، أليست هذه تحتاج لمراجعة فكرية. أن تجربتي الحكم في كل من سوريا والعراق قد أثبتت أن العمل كان من أجل الحفاظ على النظام، مما جعل نظامي البعث يقدمان صلاحيات للأجهزة القمعية أكثر من الاهتمام بقضايا الحرية.
إذا رجعنا للسودان هل تعتقد أن استلاف دور الكرزمة في الحزب أهم من دور المؤسسية، خاصة أن أحزاب البعث في السودان رافعة شعار “التحول الديمقراطي” رغم أن القيادة في البعث محتكر لقرارات أمين سر القيادة، وهي ذات الثقافة التي خلفتها الطائفية في السودان “الشيخ والحوار” فالكارزمة تملك سلطات مطلقة. كان المتوقع أن الأحزاب التي كان يطلق عليها قديما “أحزاب تقدمية” أي غير محتكرة للأسرة؛ هي التي سوف تضع المنهج الجديد لممارسة الديمقراطية، لكن للأسف أنها سارت في ذات اتجاه تقديس الكارزمة، الأمر الذي يجعل الكارزمة على قمة الحزب حتى زيارة عزرائيل. الأمر الذي يخرب بيئة الحزب وتظهر الشللية والتكتلات وجميعها يحاول تمجيد أمين السر، وتسبح بحمده، وأخرى تعارضه بالخفاء. أن بقاء القيادات والكارزمات في قمة الهرم لسنين عددا هو الذي أضعف البعث وبقية الأحزاب السودانية من الناحيتين التنظيمية والفكرية الثقافية. الضعف الفكري والثقافي يخلق قيادات مترددة و ضعيفة ولا تسمح بأي حوارات فكرية يمكن أن تفتح داخل الحزب حتى لا تنفضح قدراتها المتواضعة.
أن التحولات التي جرت في العالم، وغياب الدول الاشتراكية وتحولها لليبرالية واقتصاد السوق، كما فعلت الصين التي تبنت اقتصاد السوق رغم تمسكها بالماركسية، ونجحت في هذا التحول لأنها أحاولت أن تحل الإشكالية عبر مراجعات فكرية. وأيضا التحالفات الدولية الاستراتيجية والتي أصبحت على حدود السودان، هي ايضا تحتاج إلي إنتاج فكري جديد يتجاوز شعار “وحدة حرية أشتراكية” لآن قدسية الشعار تحد من العملية الفكرية، أو تجعل المجتهد أن يقدم رؤية مضطربة بسبب أنه لا يستطيع أن يتجاوز قدسية مفروضة عليه في عمل إنساني متغير باستمرار. أن قضية الديمقراطية أصبحت هي القاعدة التي يجب أن يلتقى على منصتها كل الناس، وبالتالي لا يجب أن تصبح مربوط بقضايا أخرى تعيق ترسيخها في المجتمع عبر أداتين التنظير والممارسة. أيضا لا خيار أخر للسوق الحر، ومن خلال اقتصاد السوق الحر يمكن أن يكون هناك دورا للدولة أن تلعبه مثل ما يحصل في الدول التي تسمى الديمقراطية الاجتماعية التي تهدف إلي العدالة الاجتماعية.
معلوم ان السودان دولة ذات تنوع وتعدد أثني وعشائري وقبلي، وكان قد ودار حوارا منذ ثلاثينيات القرن الماضي على صفحات مجلتي “الفجر و النهضة” عن الهوية، ثم انتقل الحوار على حقل الأدب بين “العروبية والأفريقانية” ومازال الجدل مستمرا باعتبار البعض أن يجب أن يفضي لهوية يتفق عليها الناس، فالرفاق في حزب البعث مطالبين أن يقدموا رؤيتهم الفكرية كانت مسار جدل داخل “حزب البعث الأصل (أدت إلي خروج كل من محمد على جادين وأيضا محمد بشير “عبد العزيز حسين الصاوي” محمد وداعة والحسين ومحمد سيد احمد عتيق وأخرين) الذين كونوا حزب البعث السوداني ‘لي أسس جديد بعد مراجعات فكرية. أن الدعوة في حد ذاتها هي خطوة متقدمة، وهذه رؤية سريعة بهدف لفت النظر لهذه الدعوة التي تضع لبنة للديمقراطية للبعثيين. شكرا بروف شيخون. ونسأل الله حسن البصيرة.
Comments are closed.