صراع التيارات بهدف سلطة أم تغيير..؟

36

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
معلوم في الفكر السياسي؛ أن نتائج و أثر الصراع السياسي في أية مجتمع محكوم بفاعلية و دور الطبقة الوسطى الاستناري في المجتمع، باعتبار أن الطبقة الوسطى تنشأ و تتوسع عندما تكون هناك هياكل و بناء طبقي في المجتمع، الأمر الذي يمكن الطبقة الوسطى أن تلعب دورا مهما و مؤثرا في قيادة التغيير، و بما أن الطبقة الوسطى برز دورها الاستناري تاريخيا في أوروبا و استطاعت أن تحدث تغيير كبيرا على نظم كانت تسيطر عليها طبقة الاقطاع، و هي نظم سياسية مغلقة يقودها أبناء هذه الطبقة الاقطاعية، إلي نظم ديمقراطية مفتوحة لكل أبناء الوطن. أدت إلي اتساع قاعدة المشاركة، الأمر الذي وسع من الوعي الشعبي، حيث أًصبح الناس يستوعبون ما هي الواجبات التي يجب أن يؤدونها، و ما هي الحقوق التي يجب أن يحصلون عليها، و كان ذلك بفضل الإنتاج المعرفي و الثقافي للطبقة الوسطى باعتبارها طبقة استنارة منتجة للأفكار التي تقود بها عملية التغيير. حتى الآن تظل الطبقة الوسطى تحفظ حالة التوازن في الدول الديمقراطية.
أن الإشكالية التي تعيق عملية الديمقراطية في السودان، تتمحور في عاملين اساسيين.. الأول ضعف الطبقة الوسطى و ضعف دورها الاستناري، و أيضا دورها في الإنتاج الفكري. توقفت قوة دفع هذه الطبقة في المجتمع السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تراجع دورها الريادي، و كانت تأخذ صفة الريادية لتركيزها على القضايا الكبرى في حل الأزمات، و التي تتعلق بالوطن و المواطن، و بدأ يتراجع دورها في المجتمع بسبب طول فترات الأنظمة الشمولية، و ألتي ساهمت في تآكل الثقافة الديمقراطية، مما جعلها تعاني حالة من الضعف. و كان قد بدأ ظهور الثقافة الديمقراطية في السودان عندما تخرجت الأجيال الأولى للتعليم الحديث في السودان، الذي مكنهم على الاطلاع على تيارات الفكر في العالم، و متابعة التطورات السياسية في العديد من المجتمعات. العامل الثاني طول فترات الحكم الشمولي الذي أضعف الأحزاب السياسية التي كانت تقود عميلة التغيير في المجتمع، و كانت هذه الأحزاب قادرة أن تتجاوز خلافاتها من خلال حوارات مفتوحة بينها، هذه الضعف في الأحزاب كان له أثرا كبيرا على نوعية القيادات السياسية، حيث تراجعت ألأجندة الوطنية لصالح الأجندة الحزبية و الرغبات الشخصية، كان لابد أن يكون له أثرا سالبا في عملية أي تغيير. كانت القيادات من قبل تجاوب على الأسئلة المطروحة من قبل المجتمع، و كانت أيضا تعدلها بهدف أن يجيب عليها المجتمع باعتبار أن الوعي ينشأ من خلال المتقابلات المعرفية و ليس الوقوف ضدها، المقابلات هي التي تنتج الحوار الايجابي، عندما يشعر كل جانب أنه قادر على على الإسهام فيه، و الذي يعجز يبحث عن طرق لوقف مرور تيارات الهواء النقي.

أن حالة الضعف الاقتصادي التي شهدها السودان، منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، و أدت إلي نزوح العديد من المواطنين في الاقاليم إلي المدن و خاصة العاصمة، و هؤلاء النازحين كانوا منتجين في اقاليمهم و يدعمون الدخل القومي، و نزوحهم جعلهم يعيشون على هامش المدن، و يعملون في أعمال هامشية غير منتجة، كل ذلك أثر في الدخل القومي و انعكس سلبا على مستوى معيشة المواطن و خاصة الطبقة الوسطى، الأمر الذي أضعفها و أضعف دورها في عملية الاستنارة، خاصة الأحزاب؛ حيث لا تجد أي إنتاج معرفي و ثقافي للأحزاب يمكن أن يسهم في الوعي الشعبي، يساعد على تأسيس ثقافة ديمقراطية تقود لوعي يدفع بعملية التحول الديمقراطي. أن الصراع الدائر حتى الآن هو صراع حول السلطة؛ كل يحاول أن يقنع الآخر أنه يمثل الثورة؛ و يجب على الأخرين أن يقدموا لهم فروض الطاعة و الولاء، و الغريب في الأمر أن أي رأي أخر غير مطلوب، لأنه متهم أنه رأي يخالف شعارات الثورة، هذه المسألة ليست محصورة فقط وسط عضوية الأحزاب، أيضا تمددت وسط المثقفين و قادة الرآي، الأمر الذي أغلق منافذ الحوار. رغم التاريخ السياسي للشعوب و التغييرات التي حدثت لها تؤكد أن عمليات التغيير دائما تواجه تحديات من قبل القوى المحافظة و القوى التي تعتقد أن التغيير يؤثر سلبا على مصالحها الخاصة، و الطمأنة لهؤلاء دائما تأتي من دعاة التغيير حتى يزيلوا كل الحواجز التي تعترض طريق التغيير.

أن صراع التيارات السياسية في السودان غير مبني على الأفكار أنما على شعارات فوقية لا تلامس الواقع، و حتى رؤى التغيير ليست مطروحة للحوار، بل هي رؤى وجدت لكي يلتزم بها الآخرين رغم شعارات الديمقراطية المرفوعة. و في الثقافة السياسية؛ معلوم أن الحوار هو أنجع وسيلة لإبعاد أدوات العنف عن الساحة السياسية، و هو وحده الذي يجعل العقل أداة للتفاهم و حل المعضلات. أن الخلافات، و الانقسامات التي تشهد الساحة السياسية السودانية، و التي أدت للحرب، و تشريد الملايين من المواطنين من دورهم، يجب الوقوف عندها و دراستها و التعامل معها بعقل مفتوح، إذا كان الهدف فعلا هو عملية التحول الديمقراطي. الساحة الآن تنقسم إلي قوى الحرية و التغيير “المركزي” و معها بعض الحركات و مجموعة من القوى المدنية… و قوى الحرية “الديمقراطي” و معها بعض الحركات و قوى مدنية أيضا، تحالف الجذريين الحزب الشيوعي و عدد من القوى المدنية… الإسلاميين و هم ليس مجموعة واحدة متعددي الانتماءات.. و أيضا قوى أخرى بأسماء مختلفة لها رؤى مغايرة للأخرين… إضافة للقوات المسلحة.. ميليشيا الدعم و عدد من الحركات.. كل هذا الكم من التحالفات المختلفة فكريا هي في حاجة لهندسة فكرية. بمعنى الحاجة لقيادات سياسية منتجة للأفكار.. باعتبار أن الفكر هو الأداة الناجعة و الفاعلة في عملية التغيير، و إرساء القواعد لعملية التحول الديمقراطي.
السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه النخب السياسية، و أيضا صانعي الرأي: كيف الاستفادة من هذا الكم المتنوع، و المتعدد الأفكار و التوجهات، و تحويله من الاتجاه السالب الذي يؤدي إلي الاحتراب، إلي حوار منتج للثقافة الديمقراطية و يحترام الرأى الأخر، و في ذات الوقت منتج للثقافة الديمقراطية التي تعبد طريق عملية التحول الديمقراطي…؟ هو سؤال واحد و لكنه صعب لتخوف البعض من ردة فعل الآخرين..

الإجابة عليه تحدد مسار العمل و تفرق بين السلبي و الايجابي. هل هناك أداة إعلامية لها اتساع في الأفق يجعلها تسهم في حوار يجمع تيارات مناهضة لبعضها البعض. أنها عملية ليست باليسر لآن حدة الاستقطاب تجعل هناك العديد من الفزاعات التي تحول دون الفعل. لكنه الوطن الذي يجب دفع الضريبة من أجله. و التجربة تبدأ متعثرة أولا، لكنها حتما سوف تجد الدعم من القوى التي تؤمن بعملية التحول الديمقراطي دون “منً أو أذى ” ثم يدلف إليها الباقين. نسأل الله حسن البصيرة

Comments are closed.