المدنيين و العسكر و حل الأزمة في البلاد

49

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن أي فاعلية من أجل ايجاد حل لوقف الحرب الدائرة الآن، و الخروج من الأزمة السياسية يقع على عاتق القوى التي تتحكم في الفعل الدائر الآن. لذلك يركز المجتمع الدولي و منظمات الإقليمية مجهوداتهم من أجل وقف الحرب، مما يجعل الحوار محصورا على القوات المسلحة و ميليشيا الدعم، باعتبار أن الحرب تعيق أي عمل سياسي مناط به إنجاز أجندة سياسية في الواقع، و من جانب أخر ستظل القوى السياسية هي على هامش الفعل، باعتبار أن القوى العسكرية من الجانبين وحدهما من يملك شروط وقف الحرب. و هذا واضح من خلال أجندة مفاوضات جدة. و في الجانب الأخر للمشهد السياسي أن القوى الحزبية و المدنية متشظية و منقسمة على نفسها، هذا الانقسام و عدم الاتفاق على أجندة مشتركة سوف يجعلها على هامش الفعل السياسي.

الملاحظ من مجريات الواقع: أن القيادات السياسية تنتظر ما تتمخض عنه مفاوضات جدة، لكي تعلق على مجريات العمل السياسي و محاولة ربطه بالمفاوضات. و هذا يؤكد أن إدارة الإزمة محصورة على القيادات العسكرية، و حتى عندما تتوقف مفاوضات جدة تجد أن حديث القيادات يطالب الدولتان المشرفتان على المفاوضات أن تحث الجانبين لكي يواصلان المفاوضات. هذا يؤكد أن صناعة الحدث الذي يخلق أجندة الحوار محصورة في الجانبين العسكريين. الأمر الذي يجعل الحراك السياسي مقيد و لا يستطيع أن يتحرك إلا في حدود ضيقة جدا. و هذا يعود إلي أن حالة الانقسام في القوى المدنية يجعل حركتها هامشية لا تجني تأييدا واسعا وسط المجتمع إلا في حدود ضيقة. و يعجز أن يتطور إلي فعل مركزي يمكن أن يكون له أثرا فاعلا في وقف الحرب. القضية الأخرى الخطاب السياسي للميليشيا و محاولة تقديم شعارات و مصطلحات لا تستطيع أن تقنع بها المواطن العادي،لذلك سوف تشوش على كل القوى السياسية، لآن الفعل السالب الذي يقع المواطنين، و خاصة في أقليم دارفور لا يتناسب مع الشعارات و المصطلحات التي ترفعها الميليشيا، هذا التشويش يؤثر في الفاعلية السياسية التي تنادي بوقف الحرب.

أن القوى السياسية و المدنية لا تستطيع أن تحدث أختراقا في الأزمة و مجريات الحرب، إلا إذا استطاعت أن تتوحد وفق أجندة وطنية، أي “مشروع سياسي متفق عليه” تحت راية وطنية جامعة، و أن تكون الدعوة لوقف الحرب مبنية على مشروع يؤسس للدولة الديمقراطية، و ليس قاصرا على استلام السلطة. إذا اتفقت القوى السياسية على تشكيل حكومة مدنية بكفاءات غير منتمية سياسيا، و تكون مهامها محصورة فقط في إعادة الإعمار و تحسين المعيشة، و الترتيب لانتخابات عامة في البلاد أفضل لها من التنافس على استلام سلطة الفترة الانتقالية. و يجب على سلطة الفترة الانتقالية أن تجري انتخابات النقابات العمالية و الاتحادات المهنية، إلي جانب انتخابات المجالس المحلية لكي تدخل أغلبية الشعب السوداني في أجواء الديمقراطية و ممارستها. هذا الفعل سوف يخلق وعيا جديدا في المجتمع، و سوف يتحول قطاع كبير من الشعب من مفاهيم الثورية و حالات الصراع الصفري إلي الشرعية القانونية، و هذه هي التي تشكل قاعدة العمل الديمقراطي المجتمعي.

أن الخلاف الذي خلق انقسام في القوى المدنية هو الصراع على السلطة، فكل تحالف يعتقد هو المؤهل دون الأخرين إلي استلام السلطة و هندسة البلاد وفقا لتصوره، و هذه القناعة السلطوية هي التي تحول الصراع من سياسي و فكري إلي صراع صفري إبعاد الأخر و محاولة تقييد حركته. و مثل هذا الصراع لا يؤسس لديمقراطية، بل يؤسس لسلطة شمولية لأن الذي سوف يفوز سوف يفكر على كيفية حماية سلطته من تقول الآخرين عليها. أما أن تبتعد الأحزاب من دائرة صراع السلطة و تعمل من أجل توعية الجماهير و تحضير نفسها للانتخابات العامة سوف يساعد أن ينقل الصراع إلي صراع سياسي بأدوات ديمقراطية قائمة على الحوار و الجدل الفكري. فهي مهمة تحتاج إلي المرونة و إدارك الواقع و تحدياته. هذا يذكرني بقول الفيلسوف جون ستيورت ميل عن الذين يطلبون أن يكون لهم نفوذا بين الناس و استقلالية في الشخصية و قوتها. يقول عنهم ( انهم محتاجين لشرطين الأول إطلاق الحرية و الثاني تنويع المواقف) لأن الحرية و حركة الإبداع لا تتماشى مع تصلب الرأي و فرضه على الآخرين، بل تحتاج لمرونة في التعامل و خلط للألون حسب الحاجة لها. و للأسف بعض القيادات تريد أحتكار الحرية و تجعلها مقيدة، و في ذات الوقت تريد التصلب في الرأي، و أن يخضع الكل له، و رغم ذلك يريدون تمريرها بشعارات ديمقراطية لا تتوافق مع المسعى.

أن التدهور الذي حدث في الاقتصاد السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، أثر سلبا على الطبقة الوسطى التي كانت تقود عملية الاستنارة في المجتمع، ثم تحسن الاقتصاد في بدايات هذا القرن باستخراج البترول، حيث استطاعت الطبقة الوسطى أن تعيد بعض عافيتها، و ظهر دورها بصورة كبيرة في الصحافة السودانية التي لعبت دورا مقدرا في عملية توسيع مساحة الحرية رغم حالة الحصار الذي كان مضروبا عليها، و الرقابة القبلية و البعدية عليها، لكنها أحدثت تغييرا باينا في عملية الوعي السياسي و المجتمعي، ثم تراجعت الطبقة الوسطى بعد انفصال الجنوب و تدهور لاقتصاد، لذلك عجزت هذه الطبقة في إدارة الفترة الانتقالية بالصورة التي كان أن ترسخ فيها مباديء الديمقراطية، و الالتحام بصورة أوسع مع الشارع و الرهان عليه. الآن مطلوب منها قراءة الواقع بعيدا عن حالة الشطط و البحث عن الأدوات التي تجعل الحوار ممكنا بهدف توحيد القوى المدنية لنجاح عملية التحول الديمقراطية، بدلا عن السعي لاستلام السلطة. نسأ الله حسن البصيرة.

Comments are closed.