د.وليد الجاك يكتب في رحيل الموسيقار محمد الأمين

341

لم اعتاد ان اكتب وافصح عن حزني في من فقدت فقد فقدت الوالدة والوالد والأخ والخيرة من الأهل والجيرة والأصدقاء لاعتقادي بأن الحزن يظل فينا ما حيينا ومهما كتبنا عن حزننا فإنه لايعبر عن مدى ما تخفيه مشاعرنا من حزنٍ تجاه من فقدنا من الأعزاء.
لكن اليوم الحزن مختلف فهو ليس خاص وإنما حزن الآلاف من أبناء وبنات الشعب السوداني فقد رحل في صمت استاذنا محمد الأمين وها قد انطفأت اليوم إحدى الشموع التي ظلت مضيئةً لما يفوق نصف قرن من الزمان.

رحل اليوم احد ايقونات السودان و واحد من ملامح الوطن الحبيب، رحل اليوم أسطورة من احد الأساطير التي جاد بها الزمن على السودان، رحل وغاب معه صوت المغني، رحيل قاسي ومر في أيام عجاف ومنعطف مظلم تمر به بلادنا وقد كان أحد المناضلين عبر الكلمة واللحن ومن الباحثين عن العيش الكريم لابناء هذا البلد العظيم الذي ظل ساسته وعسكره يعبثون بثرواته المادية والبشرية ومغتنياته التي انعمها الله عليه من الذين لا نحسبهم من أبنائه بل هم محسوبون عليه. فقد ناضل من أجل السلام والحرية لايقانه بأن هذا الشعب قد ارهقته الدنيا من خلال أولئك الطقمة من الساديين والمتخاذلين والمرجفين بائعي الضمائر والذمم.

رحل احد المجددين في الموسيقى السودانية ورائد من رواد التجديد والتطوير في الألحان بل يكاد على رأس القائمة إذ انه ذو عبقرية خاصة في التأليف والصياغة اللحنية، حتى صار موضع نقاش وجدل في حديثنا عن الموسيقى السودانية عموماً وعن تفرده وتميزه في تناوله للصيغ اللحنية لاغنياته التي لم ندرك حقيقتها وسرها وماهو المخزون السمعي التراكمي الذي استوحى أو استلهم منه تلك الأفكار اللحنية لاننا ندرك مدى تأثير البيئة السمعية على المؤلف أو الملحن فقد أوجد لنفسه مسلك عرج فيه عن المألوف مع استصحابه للخصوصية النغمية للموسيقى السودانية، لقد عجزنا في إيجاد تفسير لتلكم الظاهرة الغريبة ولعله أيضاً لا يدرك كنهها لأنها موهبة وخيال وعبقرية غير مصنوعة وفيض من الجمل اللحنية تلتقى مع بعضها لتنظم ذلكم العمل الموسيقي في سلاسةٍ ومرونة لذلك هي حالة يجب البحث فيها باعتبارها ظاهرة موسيقية غير مألوفة.

اليوم بكيك كل ركن من أركان اتحاد المهن الموسيقية، تبكيك المسارح ودور العرض الموسيقي، تبكيك الشوارع والنواصي في كل حيٍ من أحياء السودان، يبكيك الشيب والشباب من أبناء الوطن الاحرار، تبكيك الجوامع الانبنت ضانقيل والكنائس، تبكيك طابية ام درمان وبوابة عبد القيوم وها انت اليوم تقبر بعيداً عن تراب وطنك ومحبيك ومريديك من تلك الحشود التي كانت تأتي من كل صوب لتشنف اذانها وتتذود بذاد الشجون.

لا نزكيك على المولى عز وجل لأنك عبده وأمره ماضٍ فيك وفينا ولكن نسأله ان يحسن إليك ويغفر لك ويرحمك ويحشرك مع زمرة من الصديقين والشهداء وحسن اؤلئك رفيقاً وأن يبدلك داراً خير من دارك وأهلاً خير من أهلك وليس علينا سوى أن نترحم عليك وانا لله وانا اليه راجعون.

Comments are closed.