المؤسسة العسكرية جدل المجتمع و السياسية

191

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
عنوان المقال هو عنوان الندوة التي أقامها ” مرصد مركز الدراسات السودانية ” أمس السبت و استمرت الثلاث ساعات و نصف. حضرها العديد من الجنرالات بالمعاش و عدد من السياسيين و المهتمين بالشأن السياسي. تمنيت أن تكون مداخلة الدكتور حيدر إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية التي عقب فيها على حديث عدد من الجنرالات أن يبدأ بها الندوة لتكون مرشدا لعملية الجدل المطلوبة، و ما أشار إليه الدكتور وجدي كامل الحوجة إلي ” التفكير النقدي” الذي يحتاج إلي قراءة ثقافية متعمقة تطال تاريخ المؤسسة العسكرية و تطورها، إلي جانب نقد قضيتي التربية و التعليم، اللذان يمثلان جوهر قضية الوعي السياسي و الثقافي. قال حيدر إبراهيم أن النقد يجعلنا نتفادى أخطاء الماضي مركزين على دور الجيش في المجتمع السوداني، باعتبار أن الجيش يمثل احد اعمدة القوى الحديثة، و بالتالي عليه مسؤولية و دور في تحديث الدولة.

في ذات الحديث يتناول الدكتور حيدر إبراهيم قضية القومية باعتبارها مسألة ثقافية تسحب وراءها ” قضيتي الهوية و الهامش” و هي من القضايا تؤدي إلي العنصرية و العنصرية المضادة مما يخلق نوع من المشاحنات في كيفية التعامل مع الأخر، عندما تمس هويته، “هذه متطلبات لابد من طرحها في العملية النقدية لأنها تؤثر في السلوك”. ثم يذهب في الإشارة إلي ثورة 24 و مقولة على عبد اللطيف بأنهم يطالبون ” فكرة الأمة السودانية” هذا المصطلح يحمل في أحشائه العديد من الإشارات و الرموز الثقافية و السياسية التي لم تستطيع النخب السياسية و العسكرية استيعابها بالصورة التي تجعلها قاعدة ينطلق منها الجميع في بناء الأمة و الدولة. ثم تحدث الدكتور حيدر في إشارات لمصطلحات مثل ” الشجاعة و الكرم” باعتبارها تمثل قيم أخلاقية في المجتمع السوداني يمكن توظيفها بشكل يدفع المجتمع لكي يقوي القيم الجميلة قولا و ممارسة، و يمكن أن ينحرف المصطلحة إلي قضايا سالبة في النزاعات و القتل و غيرها. و تحدث أيضا عن صناعة المستقبل من خلال فكر جديد… و هل يمكن تأسيس مؤسسة مدنية عسكرية للحوار الجاد حول كيفية تعميق العلاقة و جعلها داعمة لمسألة التحول الديمقراطي. و هذه تحتاج بالفعل إلي أحزاب تشكل بقانون جديد يركز على قومية الأحزاب و ديمقراطيتها…. اعتقد أن ما ذهب إليه دكتور حيدر أن الأحزاب السودانية عاجزة عن الخروج من الهامش الذي تعيش فيه، و الدخول في عمق الفكر و تناوله لكي تغيير فكرها و ثقافتها.

بدأت الندوة افتتاحيتها بالمتحدث الأول اللواء التجاني على صالح، تناول فيها عدد من القضايا كانت قد حددتها الندوة.. علاقة التميز الاجتماعي بين الجيش و المدنيين.. قال ليس هناك تميزا داخل الجيش و مع المدنيين.. لكن قضية التميز مسألة موجودة في ذهن المدنيين. و هي قضية مرتبطة بقوانين الجيش و الانضباط فيه… و تحدث عن وجود الجيش في النظام السياسي.. قال أن الجيش كانت له ايجابيات و سلبيات، مثالا لذلك أن نظام عبود؛ كانت له العديد من الانجازات في الصناعة و الزراعة و الاقتصاد و لكن هزم ذلك عندما وقع على اتفاقية مياه النيل، و التي تم فيها تهجير عشرا الآلف من المواطنين مقابل 15 مليون دولار. و قال أن الضباط لا يعملون بالسياسة لكن هناك ضباط أغراهم السياسيون، مثلا أن انقلاب نميري شارك فيه عدد قليل من الضباط، لكن في انقلاب الجبهة؛ أنها استطاعت أن تؤسس لها خلية داخل القوات المسلحة. و في محطة أخرى قال أن القوات المسلحة قابلة للإصلاح، منها إخراج مقار القوات المسلحة و عدد من أسلحتها من المدن، و يجب أن توزع في مناطق استراتيجية خارج العاصمة و المدن الأخرى، و أن يكون هناك قانون صارم للقوات المسلحة يمنع المشاركة في العمل السياسي، و بالتالي يمنع من قيام الانقلابات و يتم تنفيذ القانون، و أيضا يجب أن تكون هناك خدمة إلزامية لجميع المواطنين بقانون.

كان المتحدث الثاني هو جبريل بلال ممثلا لحركة العدل و المساومة ” جناح صندل” قال هناك اختلالات في القوات المسلحة، وهي تركز على العمل السياسي أكثر من مهنيتها، و دلالة على ذلك طول سنين حكمها. و قال لابد من تعديل قانون القوات المسلحة حتى يجعلها قريبة من المدنيين بهدف إزالة الصفوية. كما تحدث عن مسألة الترتيبات الأمنية و دمج القوات في القوات المسلحة، و قال أن قيادة الجيش تماطل في ذلك و كل مرة تؤجل اجتماعات الترتيبات الأمنية.. ثم تحدث أن البلاد في حاجة إلي قوات مسلحة على أسس جديدة و عقيدة جديدة.

تحدث في الندوة عدد من المتداخلين من جنرالات الجيش في “المعاش” تناولوا موضوعات عديدة منها نقد السياسيين الذين درجوا على تأسيس خلايا داخل الجيش، و أيضا نقد تجربة الإنقاذ التي أقالت عددا كبيرا من الضباط لكي تضمن استمراريتها في الحكم ، و دافعوا عن الثقافة و الانضباط داخل الجيش، لكنهم في ذات الوقت أكدوا على الإصلاح و المهنية و خروج الجيش من السياسة.

أن الحوار كبداية في تناول قضية الجيش و الإصلاح فيه، تعتبر بداية موفقة، لكن كما أشار كل من الدكتورين حيد إبراهيم و وجدي كامل لابد من أن يأخذ الحديث منهجا نقديا لكي يوضح العوامل التي أدت إلي الإختلالات، و في نفس الوقت يقدم أفكارا من أجل بناء المستقبل. و كلما كان الحوار يأخذ منهجا نقديا سوف يمنع التشنجات و حالة الاستقطاب الحادة الواقعة في المجتمع اليوم، أن المنهج النقدي هو الأداة الصالحة للتغيير، و في نفس الوقت تخلق وعيا جديدا، و طرق جديدة للتفكير المغاير عن الطرق السابقة التي قادت للفشل، التحية لمركز الدراسات السودانية.. و للأستاذ بكري جابر الذي استطاع إدارة الندوة بجدارة في توزيع الفرص و الالتزام بالوقت المحدد. مع خالص التقدير للمنظمين. و نسال الله حسن البصيرة.

Comments are closed.