العطا و عملية اللعب على المكشوف

48

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن أي تحليل سياسي أو دراسة يتم فيها تغيب الحقائق و تلوين المعلومات لكي تخدم مصالح مؤسسة عامة أو خاصة أو تحالف أو حتى أفراد، سوف تجعل هناك شك في صحة النتائج التي تم الوصول إليها، و التعامل مع الواقع و البحث عن الحقائق و المعلومات الصحيحة بهدف دراسة الظواهر السياسية دراسة علمية سوف تقرب صاحبها للنتائج الصحيحة، في المقال السابق الذي كتبته “من الذي يصنع الأحداث في السودان؟” كان الهدف من المقال التنبيه إلي أن الذي يصنع الأحداث، هو الذي يشكل مستقبل العملية السياسية في السودان، باعتبار أن الحدث بفرض معطيات جديدة، و هي سوف تؤثر على طريقة التفكير. أولا لأنها تجعل الشخص أو المؤسسة في عمليات دائم لإعادة النظر في قناعاتها، ثانيا سوف يكون تفكيرها محصور بمعطيات صانع الحدث من جانب الأخر..

قبل حديث الفريق أول ياسر العطا كانت كل القوى السياسية مشدودة الانتباه أن هناك تفاوض سوف يجري في ” منبر جدة” و أن القائمين على المنبر ” السعودية – أمريكا” قد وصلوا إلي إنهاء المعضلة التي كانت تشكل عائقا للوصول لوقف دائم لإطلاق النار، و هي خروج الميليشيا من منازل الناس، و من المؤسسات الخدمية، إلي جانب إزالة إرتكازاتها.. هذا الجدل الذي كان دائرا لم تكن القوات المسلحة مصدره، و لكنها لم تنف الأخبار الدائرة في هذا الموضوع، و كانت الأخبار غير الرسمية في الوسائط الاجتماعية، و الآيفاتية، كل يحاول أن يخرج المعلوم بالصورة التي تعطي انطباع بأنه هو وراء المعلومة، و له مصادر مقربة من صناع القرار.. حقيقة أن الغائب هي المعلومة، و القوات المسلحة تخرج معلوماتها بالصورة التي تخدم إستراتيجيتها في إدارة الأزمة، و هي تتحكم في المعلومة لخدمة هدف، أما الأخرين يخرجون المعلومة كل حسب التصور الذي يخدم موقفه من العملية العسكرية و السياسية. فالميليشيا ليس لها إستراتيجية واضحة في إدارة الإزمة من خلال مركز واحد بل كل حامل تلفون ذكي من أفراد الميليشيا يصور و يرسل دون أن يسأل نفسه إذا كان الذي مفيد أو يضر الميلشيا. أما القوى السياسية تنتظر الحدث لكي تعلق عليه سلبا أو إيجابا.

بالأمس تحدث الفريق ياسر العطا في وادي سيدنا أمام ضباط و ضباط صف و جنود جهاز المخابرات للعمليات و الاحتياط المركزي، و قد أرسل العطا في حديثه عدة رسائل مهمة جدا، و سوف تنقل المعركة العسكرية و السياسية لفضاءات جديدة. أولا قد شن هجوما على عدد من الدول و سماها بإنها وراء دعم الميليشيا بالمال و العتاد، و أيضا المرتزقة الذين يشاركون الآن مع ميليشيا الدعم، و حدد الدول التي جاءوا منها. الثاني التأكيد على أن هناك دعما لوجستيا قد تلقته القوات المسلحة من بعض الدول. الثالث أن الجيش بدأ في استخدام أسلحة جديدة حصل عليها حديثا. رابعا لابد من القضاء التام على الميليشيا. خامسا في الأيام القليلة القادمة سوف تشهد العاصمة اجتياح كبير على مدنها من قبل القوات المسلحة لإخراج عناصر الميليشيا. سادسا تهديد للدول التي يأتي عبرها الدعم للميليشيا و التي ترسل مرتزقة، التهديد من خلال تذكيرها الذي كان قد فعلته المخابرات السودانية من قبل ” و المقصود تغير أنظمة حكم” هذه رسائل لم تكن على شاكلة ” إياك أعني و اسمعي يا جارة” فالحديث لم يستخدم فيه المجاز و التورية و لا كل المحسنات البديعية، كان حديثا مباشرا مما يدل أن اللعب أصبح على المكشوف، و الفريق أول العطا لا يقول رأيه الشخصي، و هو نائب القائد العام للقوات المسلحة، بل حديثه يعكس رؤية المؤسسة العسكرية.

من قبل تحدث الفريق أول ياسر العطا من على منبر سلاح المهندسين، و أرسل إشارة لكل من رئيس كينيا وليم روتو و رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، عندما قالا في أديس أبابا في اجتماع رباعية الإيغاد يوجد فراغ سلطة في السودان، و طالبا بإرسال قوات دول شرق إفريقيا لكي تجعل الخرطوم منزوعة السلاح، كانت إشارة العطا أيضا مضمنة بالتهديد، البعض يقول عنها تهديدات في الهواء، و زيارة البرهان للبلدين أكدت تغيير لمقولة العطا.. رغم أن العطا لم يتنازل عن الذي قاله بل روتو و أبي احمد اللذان عدلا موقفيهما عندما فرشا البساط الأحمر للبرهان كرئيس جمهورية عندما زار بلديهما، لكن هناك من يحاول أن يلوي عنق الحقيق لخدمة أهداف غير المعلوم. و هناك يتأكد أن صناعة الحدث ليس مسألة اعتباطية و لكنها نوع من التكتيك الذي يخدم الإستراتيجية.

تصريحات الفريق أول ياسر العطا تعد نقلة كبيرة من حالة السكوت، و عدم خوض معارك متعددة في وقت واحد، إلي فتح معركة مفتوحة مع الدول التي تدعم الميليشيا، و يصبح “اللعب على المكشوف” و إتهام الأمارات بإنها وراء دعم الميليشيا لوجستيا تعني أنها يجب ان تتحمل مسؤولية كل الخراب الذي أحدثته الميليشيا في السودان، و أن الصراع لم يعد بالإشارات، بل اتهامات موجهة مباشرة للقيادة الأماراتية. و أيضا لكل الدول التي تتعامل بوجهين مع السودان تدعم الميليشيا أما بتمرير الدعم عبر أراضيها، أو إرسال مرتزق يقاتلون مع الميليشيا بينما هي تحاول انت تعكس ذلك بإنها تعمل من أجل إنهاء الحرب في السودان. هناك سؤالان يجب الإجابة عليهما: هل معنى ذلك أن قيادة الجيش التي تقود البلاد أيضا سياسيا تحولت من الدفاع إلي الهجوم؟ و ما هو التغيير الذي حدث حتى أدى إلي هذا التحول؟

أن الفريق أول ياسر العطا أشار إلي أن السودان أصبح يملك المعدات التي تجعله يتحول من الدفاع إلي الهجوم، و أشار أيضا؛ أن هذه الأليات قد تم استخدامها بنجاح في اليومين الماضيين، المسألة الثانية الدعم الذي قد حصلت عليه القوات المسلحة و جعلت العطا يؤكد أن الخرطوم سوف تشهد اجتياح من قبل القوات المسلحة على العاصمة المثلثة لطرد كل مقاتلي الميليشيا، و من ثم إلي شمال كردفان، و أيضا إلي دارفور حتى أم دافوق. الملاحظ أن الفريق أول العطا لم يمرحل هذه القضايا بل فتح كل الملفات في وقت واحد، أن فتح كل الملفات يعني تغيير التكتيك، بهدف استخدام كل الأدوات الممكنة في معركة تعتقد قيادة الجيش معركة يجب أن تقضي على الميليشيا، و في نفس الوقت توقف الدعم المقدم لها من بعض الدول. هذه المعركة ليست معركة عسكرية فقط أيضا دبلوماسية و سياسية. و المسألة أيضا أن تكون انتباه للدول التي تدعم الميليشيا و تعتقد أن فعلها غير مكشوف و توضع في قفص الاتهام لكي ترد على هذا الاتهام بشكل واضح و تبين لماذا تدعم الميليشيا و ما هو الهدف من ذلك؟ أن حديث الفريق أول العطا ليس للإستهلاك السياسي بل محاولة لنقل القضية لعتبات متقدمة. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.