حلول الأزمات لا تتأتى من نتائجها

44

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الإشكالية التي عمقت الأزمة السياسية في السودان؛ تعد قصورا من العقل السياسي، و الذي ينظر إلي تمظهرات الأزمة، و ليست الأسباب الأساسية التي قادت إلي الأزمة. و إذا نظرنا إلي الحرب الدائرة الآن في البلاد، نجد أنها كانت نتيجة لأزمة سياسية بين المكون المدني و العسكري، أدت إلي تباين المواقف داخل كل مكون، و كان تفكير النخب السياسية محصورا فقط على السلطة “من الذي يحكم البلاد” فالفكرة نفسها تثير صراعا بين المتنافسين، و تدفع بدخول عناصر أخرى مناصرة، إذا كانوا من العسكريين أو حتى من الخارج. فالتفكير حول السلطة يصبح محكوما باستمرار الصراع و تطوراته، و هو أحد الأسباب الجوهرية التي قادت إلي الحرب.

الأزمة بدأت بعد نجاح الثورة و إسقاط نظام الإنقاذ في 11 إبريل 2019م عندما تكشف للناس أن القوى السياسية التي وقعت على ” إعلان الحرية و التغيير” في يناير 2019 م و الذي اعده تجمع المهنيين، لا تملك أي مشروع سياسي لا كأحزاب و لا تحالفات يمكن أن يطرح للحوار لكي يخلق وعيا جديدا في البلاد، أعتمدت القوى السياسية على الإعلان، و هو بمثابة مباديء عامة. غياب المشروع السياسي هو غياب رؤية المستقبل. فكانت الحكومة الأولى رغم قيل أنها حكومة تكنقراط، إلا أنها كانت حكومة محاصصات غير معلنة، و جاءت الحكومة الثانية؛ و أيضا كانت محاصصات معلن عنها، كل ذلك احدث شروخا غائرة في الجسم السياسي و التحالف، و أيضا أحدثت التسوية مع العسكر شروخا في التحالف لرفض قوى سياسية لها. بل أنها أعلنت أنها ساعية لإسقاط الحكومة. هذا التناقض كان داخل تحالف القوى التي وقعت على ” إعلان الحرية و التغيير” و أصبح الصراع حول السلطة علنا و لم تكن هناك أي إشارات لعملية التحول الديمقراطي. لأن أي إعلان ينبع من التحالف للعودة إلي كيفية وضع قواعد متفق عليها لتأسيس برنامج التحول الديمقراطي، كان غير طبيعة الصراع الدائر في الساحة السياسية، و بالضرورة سوف يتغير الخطاب السياسي، و أيضا اسوف تتغير لأدوات الفاعلة فيه، و يصبح الحوار بين القوى السياسية هو الأداة الناجعة. لكن ذلك لم يحصل لآن الكل كان مستوعبا في صراع السلطة. هذا الصراع زحف أيضا إلي صراع بين المدنيين و العسكر، في محاولة لتجميع الصف ضد العسكر، هذا التحول يبين قصورا في عند النخبة السياسية لفهم طبيعة الصراع مع العسكر و إلي أين تؤدي، لآن أي صراع مع العسكر على السلطة سوف يؤدي إلي انقلاب، باعتبار أن أداة العسكر ليس الحوار السياسي، أنما هي الآلة العسكرية.

الملاحظ؛ أن القوى السياسية الفاعلة في الساحة السياسية هي ” قحت المركزي” و القوى الأخرى أصابها الركود و لا أثر لها في الأحداث الجارية، ربما يرجع ذلك أن القيادات فيها تشعر أنها لا تملك مقومات الصراع، أو غياب الرؤية عندها التي تجعلها تصنع الحدث، خاصة إنها لم تبين في مسيرتها أن تملك رؤية فكرية تجعلها ندا. و هناك البعض الذين يقولون أن “قحت المركزي” تجد دعما من قوى خارجية تمنحها القدرة على الحركة. و لكن في كل الأحوال؛ أن القوى السياسية ذات الحركة ” قحت المركزي” تلوم عناصر النظام السابق ” الكيزان – الفلول” و تحملهم كل الذي يجري الآن، و بأنهم وراء كل الذي حدث لإفشال شعارات الثورة. و هنا يطرح سؤال: هل القوى السياسية لم تكن على دراية أن هؤلاء سوف يشكلون لها تحديا مستمرا إذا رضيت أو لم ترضى؟ إذا عناصر الإنقاذ فقدها للسلط لا يعني أنها سوف تبعد عن الصراع السياسي بل ستكون جزء منه باستمرار، و لكن الحكمة كانت تقتضي؛ كيف تستطيع القوى السياسية أن تتعامل معها بحكمة حتى لا ينحرف الصراع حتى يضيع الثورة. أي أن تجعل الصراع يدور في منهج التفكير المنطقي و الحوار العقلاني بعيدا عن استخدام أدوات تؤدي إلي العنف. السؤال الثاني

أيضا للقوى السياسية التي تعتقد أن صراعها مع ” الكيزان و الفلول” إذا ما هو الفرق بين ” الكيزان – الفلول” الذين مع على كرتي و يعتقدون أنهم يقفون مع الجيش و يعملون للعودة و ضياع الثورة و “الكيزان – الفلول” الذين يديرون العملية السياسية و العسكرية مع ميليشيا الدعم؟ لا تستطيع القوى السياسية أن تجاوب على ذلك بصراحة، لآن القوى السياسية لم تتعود أن تستخدم المنهج النقدي فهي عاشقة للمنهج التبريري، هي لا تريد أن تتحمل مسؤولية أخطائها. لآن الكل داخل هذا الصراع نظره منصب على السلطة، و صراع السلطة تتغير فيه التحالفات بمقتضى تغير المصالح، و ترتفع فيه رأيات الإقصاء و العزل و هي مصطلحات لا تجلب غير تعقيد المشكل.
أن التيار العام للقوى الجديدة في المجتمع، و أخص بها فئة الشباب الذين قادوا الثورة ضد نظام الإنقاذ، إذا كانوا أسسوا لهم طريقا مغايرا للإرث السياسي التقليدي الذي فشل في خلق استقرارا سياسيا في البلاد، و ركز على النهضة الاقتصادية للاستقرار الاجتماعي، قد فرض فكرة التحول الديمقراطي و ضغط من أجل تحقيقها، و وقف ضد أصحاب الرغائب الحزبية و الخاصة في مختلف القوى السياسية. كان يجبر القوى السياسية يمينية و يسارية، تقدمية و رجعية أن تعدل مرجعياتها الفكرية لكي تتوافق مع عملية التحول الديمقراطية، و أن يحافظ على ثقافة المجتمع بتنوعاتها و أيضا على معتقدات الناس و عدم المساس بها، هو التيار الذي يجب أن يتحرك لكي يخلق واقعا جديدا. هؤلاء القادرين أن يخرجوا البلاد من إرث ثقافة السياسة المليئة بالخذلان و الفشل، فهل هؤلاء الشباب قادرين على حمل هذه الراية، و جعل الحوار الوطني هو أساس البداية؟ نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.