الزين صالح يكتب: حزب الأمة حالة توهان أم تغيير قادم (3 -4)

66

أفكار عبد الرحمن الغالي وأثرها داخل الحزب
بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
في عام 1994 أقام “المنبر الديمقراطي الحر” ندوة سياسية بعنوان ” الإصلاح في الأحزاب السياسية” أقيمت في الشقة التي كانت أقيم فيها بمدينة نصر بالقاهرة، كان المتحدث الرسمي في الندوة الدكتور عمر نور الدائم، حدث أشتباك حواري بينه و الدكتور عمر القراي ” الجمهوري” قال القراي أن تاريخ الحركة السياسية في السودان قد بين أن الأحزاب السياسية غير مؤهلة بحكم طريقة التفكير التي تتحكم فيها غير قادرة على إنجاز عملية التحول الديمقراطي، لأنها كمؤسسات سياسية تفتقد للفكر الذي يشكل الأرضية للشعارات التي ترفعها.. قال نور الدائم ردا على القراي؛ أن الذي ذكرته في حديثك يتطلب منكم أنتم كأحزاب صغيرة أن تقدموا اجتهاداتكم وسط الجماهير لكي تحدثوا تغييرا في القناعات القائمة على ثقافة سياسية غير مقبولة لكم، و أي محاولة غير ذلك لن تقود للديمقراطية، و إلي أن تصلوا لهذه القناعة سوف تظلون مثل النميتي ” النمل الصغير” تقرصون في الأرجل دون إحداث أي تغيير يحدث.

ذكرت هذا الحديث لأنه يشكل بالفعل الأرضية التي تنطلق منها بعض القوى الجديدة، إنها تريد أن تتجاوز قوى سياسية سميها ” طائفية – تقليدية و غيرها” لكن لديها قاعدة اجتماعية عريضة تقف معها، و أيضا تعرف مصالحها و كيف تستطيع أن تحافظ عليها. و القوى التقليدية هي تؤثر بقوة على ميزان القوى المدنية الذي يعتبر قاعدة أساسية في العملية الديمقراطية. فظنت القوى السياسية الجديدة أن الثورة قد منحتها حق التجاوز، و فضلت أن يكون التجاوز أيضا قائم على تعديل ميزان القوى من خلال تحالف مؤقت مع المكون العسكري. و في ذات الوقت عليها أن تمد حبل الوصل مع لجان المقاومة. الغريب في الأمر: أن القوى السياسية ” قوى الحرية و التغيير” تريد أن تلعب على المتناقضات، و هي لا تملك أدواتها و لا التجربة التي تؤهلها أن تؤدي الدور بجدارة، لأنها فشلت في التحكم على مؤسسات الدولة و تكوين المؤسسات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. و فشلها في إدارة الأزمة هو الذي أدى إلي فشل الفترة الانتقالية.
أن فشل الحكومة الأولى في الفترة الانتقالية، كان دافعا قويا لرفع حزب الأمة تجميد نشاطه في ” قوى الحرية و التغيير” و الاستفادة من حالة الضعف السياسي الماثلة أن يقود هو المرحلة القادم من خلال مكتسبات توافق عليها “قحت” و بالفعل وافقت أحزاب التحالف.

الموافقة أعطت العناصر الريديكالية فرصة أن تقدم عناصرها على الأخرين. لذلك غيبت الدكتور إبراهيم الأمين و عبد الجليل الباشا و عبد الرحمن الغالي. و ظهرت عناصر جديدة، تم أختيارها بعناية ” الواثق البيرير – مريم الصادق – الصديق الصادق – عروة الصادق – صلاح مناع – أمام الحلو – محمد حسن مهدي” مع الأحترام لهؤلاء أن التجربة السياسية للبعض محدودة القدرات، و لم يظهر بينهم مفكرا يستطيع أن يرفد المجموعة بالأفكار المستمرة التي تجعلهم يتفادوا العديد من المطبات السياسية. لكن المجموعة جلها إذا نظرنا إليها نجد لها علاقة بالأسرة الضيقة للإمام، و هذا ما قاله عمر نور الدائم الصبر على هذه القوى التي تعرف أن تدافع عن مصالحها، من خلال توعية الجماهير.

أن إعادة حزب الأمة لنشاطه في تحالف ” قحت” كان الهدف هو الحصول على أكبر عدد من مقاعد المحاصصات في السلطة، دون أن يقدم الحزب أي رؤية سياسية تعيد تنظيم العملية السياسية من جديد حتى لا تقع صريعة التحديات. بل ذهب في صدام مع المكون العسكري، كتحدي حزب يملك قاعدة اجتماعية. هذه الحالة كان قد حذر منها الإمام قبل وفاته، و قال لا تصادموا المكون العسكري أنه جزء من الثورة. الإمام كان يعلم بحكم الخبرة أي صدام بين المدنيين و العسكر سوف يقود إلي انقلاب. باعتبار أن العسكر ليس لديهم نفس طويل في المحاككات السياسية، أداتهم هي السلاح، و هذا الذي قاد لآنقلاب 25إكتوبر 2021 م .. الأمر الذي جعل ذات المجموعة الريديكالية ترمي كل ثقلها على الخارج أن يعيدها للسلطة. فهي مجموعة لم يبرز منها مفكرا يقدم رؤى أخرى.

ظلت المكونات الخارجية الرباعية ” أمريكا – بريطانيا – السعودية – الأمارات” إلي جانب الثلاثية ” البعثة الأممية – الاتحاد الأفريقي – الإيغاد” إلي جانب الاتحاد الأوروبي هم الذين يهندسون العملية السياسية، و يحاولون حل تعقيداته. مع دعم مقدم من قبل البعثة الأممية لمؤسسات إعلامية تدعم مسار هذه المجموعة. أن تواضع القدرات و حداثة التجربة السياسية للقيادات عقدت الأزمة حتى وصلت للحرب.
بعد إندلاع الحرب: و في أغسطس من العام الماضي كتب القيادي بحزب الأمة عبد الرحمن الغالي و هو يمثل تيار النخب التي تشتغل بالفكر كتب مبحثا بعنوان “مقدمة في قضية الأولويات وضرورة التنازل” وهي ورقة مقدمة للحوار داخل حزب الأمة والقوى السياسية الأخرى.ز و هي ورقة تتضمن أربعة أولويات تتمثل في ..أولا يجب أن لا تنزلق البلاد إلي حرب أهلية.. ثانيا ألا يحدث تدخل أجنبي يفقد البلاد استقلالها.. ثالثا ألا ينفصل أقليم من أقاليم السودان.. رابعا أن يتحقق الحكم المدني. كنت قد كتبت عن الورقة مقالا بعنوان “صراع التيارات في حزب الأمة” اشدت فيه بالورقة المطروحة للحوار داخل وخارج حزب الأمة، وهي رؤية تنقل العقل السياسي إلي إعادة التفكير في إدارة الأزمة، وأيضا السعي لتغيير طريقة التفكير السائدة.

وكتبت (أن المبحث يتناول القضية بالتحليل و يبين العقبات و يطرح حلول. و هي رؤية خارج الصندوق و مغايرة تماما لخط حزب الأمة الذي يقوده رئيس الحزب الحالي و أمينه العام اللذان يجتهدان من أجل السلطة) فالسلطة فقط هي الغاية للتيار الريديكالي.
الغريب في الأمر: أن مؤسسات حزب الأمة تجاهلت الورقة. وحتى القوى السياسية الأخرى والمثقفين تجاهلوا هذه الورقة الحوارية. الأمر الذي يؤكد أن التيار الريديكالي مسيطر على على مفاصل الحزب بقوة وأردف عبد الرحمن الغالي ورقته بورقة أخرى بعد توقيع “تقدم” مع ميليشيا الدعم “الإعلان السياسي” ورقة ينتقد فيها، وفي نفس الوقت يقدم رؤيته للحل. وهي ورقة طرحها صاحبها للحوار داخل وخارج حزب الأمة. وعبد الرحمن الغالي يعتبر الوكيل الشرعي لخط الإمام، ليس بالتوقيع على صكوك الشرعية على الورق، ولكن من خلال الرؤى الفكرية التي كان يتمسك بها الإمام. الرجل يأخذ صفة مفكر باعتباره يقدم رؤية للظاهرة من خلال دراسة الافتراضات والوصول لحلول، ويمهرها أنها على مائدة الحوار. هناك تأتي إشكالية الحزب هل هناك قاعدة أو أحد الريديكاليين قادر على جدل المناظرات الفكرية. نسأل الله حس البصيرة.

Comments are closed.