الواثق البرير بين الصحوة و الغفلة

56

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

عندما يقدم أي قيادي سياسي يتبوأ مقعد الأمين العام لحزب، أو رئيس للحزب، يكون للكتابة ثلاث مدلولات.. الأول أنه يريد أن يقدم فكرة يكسر بها حالة من الجمود، أو يشرح موقف يعتقد قد فهم خطأ.. الثاني يريد أن يفتح حوارا حول الرؤية التي يقدمها في المكتوب.. الثالث أن يتجاوز حدود الحوار سياج الحزب إلي المجتمع خارج الحزب.. في كل الأحوال هي خطوة جيدة، و تنقل الناس من حالة الأفق المسدود إلي رحاب الفضاء المفتوح.. و اللجوء للعقل يعني البعد عن الشعارات المانعة المحمولة بحمولات سالبة من مصطلحات الإقصاء و غيرها من موروثات حقبة ما قبل الربيع العربي..

أرسل إلي صديق من قيادات حزب الأمة مقالا للسيد الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة، بعنوان ” المؤتمر الوطني في المرحلة القادمة ضرورة حتمية أم استسلام لأهداف الحرب” الغريب أن المقال لا يحمل تاريخ الصدور أو النشر، و إن كان البيان حسب المادة التي يحتويها كتب بعد الحرب، و ربما يكون المقال نفسه ردا على المقال الذي كان قد كتبه عبد الرحمن الغالي بعنوان ” قراءة أولية في إعلان أديس أبابا بين تقدم و قوات الدعم السريع و مقترح تطويره لحوار سوداني سوداني جامع” ثم اللقاء الذي أدراه ” راديو دبنقا” مع عبد الرحمن الغالي..  أن قرأة مقال البرير عبارة عن ” وصف الحالة” و المقالات الوصفية للحالة دائما لا تحمل بين أحشائها رؤى فكرية تجذب القاريء للتعليق عليها، و لكن من خلال الوصف تجد هناك الكاتب يقف على بعض المحطات و يركز عليها، و هي تحمل مضامين سياسية التعليق عليها يكون من المصلحة. يقول الواثق في المقال (اتضح جلياً بعد قيام الحرب سيطرة مجموعة علي كرتي على الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، وسعيهم لإعادة حزبهم المباد بإدارة هذه الحرب التي هدفها الأساسي و أد الثورة وإعادة النظام البائد للواجهة عبر إشعال أوارها) أن سيطرة مجموعة على كرتي على الجيش و الأجهزة الأمنية لم تكن بالوضوح إلا بعد إشعال الحرب، تيقن البرير أن مجموعة على كرتي تسيطر على الجيش و كل المؤسسات الشبه عسكرية. ثمينتقل الكاتب إلي فقرة أخرى تتعلق بالفقرة أعلاه،و لكنها تبين التناقض الكبير الذي يقع فيه البرير، لا أدري هل كان واعيا لهذا التناقض أم هو مجرد تبرير لأخطاء أرتكبها التحالف الذي هو جزءا منه.. يضيف البرير (إشراك المؤتمر الوطني أو مجموعة علي كرتي غير ممكن بعد هذه الحرب اللعينة، ليس من باب فش الغبينة، ولكن لأن المجموعة اصلاً لا تؤمن بالتغيير الذي حدث بعد الثورة ولا بالسلام الشامل العادل ولا بالمشاركة في الشأن الوطني عبر التحول الديمقراطي) سؤال للبرير إذا كان الجيش تحت أمرة على كرتي و مجموعته و هؤلاء هم الذين يديرون الحرب لماذا تريد أن تفتح حوارا مع الأدوات و لا تفتحها مع الذي يدير هذه الأدوات و يملك القدرة على السيطرة عليها؟

يتضح من إثارة عملية إشراك المؤتمر الوطني في الحوار، أن الأمين العام لحزب الأمة يريد بالمقال الرد على مقال عبد الرحمن الغالي، و المقابلة التي أجراها “راديو دبنقا” مع الغالي رغم أن الغالي كان قد قدم مقاله للحوار داخل الحزب، و أن رشا عوض الناطق الرسمي بأسم مجموعة ” تقدم” هي التي انتقدت المقال في مقالين كانا قد نشرا في كل من ” سودانيل و التغيير” و ردت عليها رباح الصادق المهدي، مما يؤكد أن هناك إختلاف في وجهات النظر داخل حزب الأمة في قضية ” الحرب و كيفية التعامل معها” و أن ينقل الحوار خارج اسوار الحزب للفضاء العام فرصة طرح الأراء و البدايل، و هي خطوة إيجابية لأنها تنقل الناس من وسائل العنف إلي العقل.. رغم أن الصراع السياسي بعد الثورة بين أن القوى السياسية و الذين يدورون في فلكها أغلبيتهم وقعوا في دائرة الاستقطاب الحاد التي يجعلهم يعطلون العقل و يكتفون باستخدام المعاول لهدم خصومهم.

يذهب البرير إلي محطة أخرى و يقول في المقال (هذه المجموعة تعارض السلام الذي يشمل الجميع ويتمتع فيه السودانيين بالمواطنة المتساوية في الحقوق، وصنفت الشعب السوداني على أساس عرقي وجهوي، واجتهدت في إذكاء روح الفتنة بين أبناء الوطن) في ظل الصراع الدائر في الساحة؛ يظل هذا القول مجرد إتهامات كل جانب يريد رمي الأخر بأنه وراء الأسباب التي قادت للحرب. و الأفضل كان على حزب الأمة الذي يتبنى شعار ” التحول الديمقراطي” أن يصل لهذه النتيجة من خلال الحوار. حتى لا تكون مجرد إتهامات تمليها عوامل الصراع. و القيادات التي تتبنى عملية التغيير يجب أن تكون بالجسارة التي تجعلها تقدم على الأفعال التي تحدث أختراقا في جدار الأزمة، و ليس البحث عن تبريرات واهية تقعدها عن الفعل الذي يجب أن تقوم به. ثم يقول البرير في فقرة أخرى (النقطة المهمة هي أنه ليس هناك أي مؤشرات من قبل المؤتمر الوطني على قبول أية لغة تصالحية ولا رغبة له في الجلوس مع الآخرين على قدم المساواة في شأن الوطن، لم يبد ذلك في أفعالهم ولا كتاباتهم ولا أقوالهم، ويكفي أنهم يجتهدون في تبديد كل فرص السلام وإنهاء الحرب( الشيء المحير أن البرير الأمين لحزب في أخر انتخابات أحرز أعلى المقاعد، يحمل حزب قد أسقطه الشعب مسؤولية عدم تقديم مؤشرات تصالحية..! و قد حدث أن قدم إشارات.. عندما أعلنت بعض قيادات قوى الحرية و التغيير منهم ” الإمام و عمر الدقير” أن حزب المؤتمر يجب أن يشارك في الفترة الانتقالية و عليهم الانتظار حتى الانتخابات و قال رئيس الحزب في ذلك الوقت البروف إبراهيم غندور موافقين على ذلك و سوف نكون معارضة إيجابية في فترة الانتقال و ننتظر الانتخابات… إليس هذه إشارة؟.. لكن بعض القوى الأيديولوجية؛ هي التي دفعت بحل المؤتمر الوطني بقرار سياسي و حظر عناصره من العمل، و كان لابد أن تكون هناك ردة فعل من عضوية المؤتمر الوطني..

أن أغلبية النخب السياسية التي أدارت الإزمة بعد سقوط النظام كان أغلبها من الناشطين الذين لم يقرأوا تاريخ الصراع السياسي في السودان.. عندما تم حل الحزب الشيوعي من قبل أحزاب ” الأمة و الاتحادي و الأخوان” 1965و تطرد نوابه من البرلمان قد قاموا بأنقلاب عسكري ضد النظام الديمقراطي.. و كانت القيادات السياسية في ذلك الوقت تعتقد أن هؤلاء فئة صغيرة لا تجروء على فعل شيء.. و كيف تكون ردة  فعل حزب حكم ثلاث عقود و له قاعدة اجتماعية عريضة أرتبطت مصالحها بالنظام السابق و الدولة؟ أن من أهم شروط  نجاح القيادات السياسية التي تقود عملية التغيير تكون مدركة لدورها و لديها من التصورات أن لا تجعل البلاد تنزلق للحرب، أو تجعلها في مواجهة مباشرة مع المؤسسة العسكرية، قيادة مدركة لتوازن القوى و كيف تجعل هذا التوازندائما لصالحها. نسأل الله التوفيق.

 

Comments are closed.