السودان.. ما بين براثن الفوضى الخلاقة وتحديات الأزمة الإنسانية الطاحنة

38

متابعة:(صحوة نيوز)

يشهد السودان، تطورات سريعة ومتلاحقة في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية خطورة في العالم، بسبب الصراع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، الذي اندلع في 15 أبريل 2023، الذي أدى إلى إغراق السودان في هاوية الفوضى والأزمات الوخيمة والمتلاحقة. تشهد البلاد حالة من الاضطراب العميق. وبينما نقترب من مرور عام على اندلاع هذه الحرب المدمرة، ترسم الإحصائيات صورة مروعة وسوداوية،

بل تعبر عن مأساة كارثية: ما يقرب من 7.6 مليون نازح، وفقد أكثر من 13000 شخص، وأمة تكافح مع تفشي وباء الكوليرا بشكل غير مسبوق في تاريخ السودان. ولا ترمز هذه الأزمة إلى مأساة وطنية فحسب، بل تشكل أيضاً تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي وخاصة أصدقاء السودان الذين يتوقّع منهم الشعب السوداني التحرك الجاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن الدمار والخراب.

إن حجم النزوح الناتج عن هذا الصراع لا مثيل له على الإطلاق. فقد فر حوالي 7.6 مليون شخص، من بينهم عدد كبير من الأطفال، من منازلهم بحثاً عن ملجأ داخل حدود السودان وخارجه. وبهذا أصبح السودان يضم أكبر عدد من النازحين على مستوى العالم، بما في ذلك أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم.

داخلياً، وفقاً لتقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة OCHA ومصفوفة التتبع التابعة لمنظمة الهجرة الدولية IOM التي تحدثت بجلاءٍ عن نزوح ما يقرب من 6.1 مليون شخص في جميع الولايات الثماني عشرة، مع زيادة ملحوظة قدرها 19,600 شخص في الأسبوع الثاني من شهر يناير 2024 وحده. ويجد هؤلاء النازحون أنفسهم في 6,355 موقعًا مختلفًا موزعة في جميع أنحاء السودان، ويقيم غالبيتهم التي تقدر بنسبة (67%) في المجتمعات المضيفة. ومن خلال الرصد والمتابعة والتقارير الموثقة، نجد أنّ أكبر أعداد من النازحين داخليًا في جنوب دارفور ونهر النيل وشرق دارفور.
بالإضافة إلى ذلك، طلب ما يقدر بنحو 1.5 مليون شخص اللجوء في البلدان المجاورة، مما يسلط الضوء على التأثير الإقليمي لهذه الأزمة.

إن التكلفة البشرية لهذا الصراع مذهلة. وفقًا لتقارير ACLED ووزارة الصحة في بورتسودان (FMoH)، قُتل أكثر من 13000 شخص، وأصيب 26000 آخرين منذ أبريل 2023. وتؤكد هذه الخسارة في الأرواح الطبيعة الوحشية للصراع وتأثيره المدمر على المجتمع السوداني.

ومما يزيد الوضع تعقيدًا تفشي وباء الكوليرا الشديد، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 9,700 حالة مشتبه بها و269 حالة وفاة حتى 16 يناير/كانون الثاني 2024. ويُشكِّل انتشار الكوليرا، وسط تحديات النزوح ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي، مشكلة صحية عامة. فإنّ وضع الطوارئ الذي يعيشه السودان يتطلب اهتماماً فورياً.

واستجابةً للأزمة، قدم شركاء الصحة المساعدة الطبية إلى 2.6 مليون مريض و1.8 مليون استشارة خارجية في جميع أنحاء السودان. ومع ذلك، فإنّ خُطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة للسودان لعام 2024 تعاني من نقص حاد في التمويل، حيث تم تأمين 3.1% فقط من الأموال المطلوبة حتى 21 يناير 2024.

الأزمة في السودان ليست مجرد مأساة وطنية؛ فهو اختبار لالتزام المجتمع الدولي بالمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان. محنة ملايين النازحين السودانيين، وخسارة آلاف الأرواح، ودعوة الطوارئ الصحية المستمرة إلى استجابة عالمية منسقة. هناك حاجة ماسّـة إلى التمويل الكافي للمساعدات الإنسانية، والجهود الدبلوماسية القوية لحل النزاع، والاستراتيجيات طويلة المدى لدعم النازحين والمجتمعات المتضررة.

بينما يراقب العالم، فإنّ الوضع في السودان لا يتطلب اهتمامنا فحسب، بل يتطلب تحركنا أيضًا فورياً وقوياً. إنّنا ننبه عن مخاطر هذه الأزمة التي أصبحت إقليمية وتجاوزت الحدود. وهذا بمثابة تذكير صارخ ومدوٍ بعواقب الصراع وضرورة الاهتمام بقضايا السلام والاستقرار والرحمة في مجتمعنا العالمي.

* المستشار الاستراتيجي للتنمية والطوارئ الإنسانية

Comments are closed.