مصطفى أبوالعزائم يكتب: من بعانخي إلى الإستقلال
أهداني أستاذنا الجليل، عمر حسن الطّيب هاشم، أحدث إنجازاته وإصداراته المتخصّصة، وهو مؤلفه أو قل بحثه التاريخي الموسوم ب (السُودان.. من بعانخي إلى الإستقلال)، والذي بدأت في تصفحه، ثم وجدت نفسي أمسك بالكتاب لأمتّع نفسي بمحتواه خاصةً وإنه يصادف هوىً في نفسي، وأستاذنا عمر حسن الطيب هاشم، يعرف ذلك ويعرف عشقي لدراسة التاريخ ، وكنت قد تلقيت العلم على يديه في مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية ، إذ كان معلماً للتاريخ في تلك الفترة إلى جانب آخرين منهم الاساتذة الأجلاء عبدالرحيم إمام التهامي – رحمه الله – ومحمد عثمان الدرديري – السفير لاحقاً ومدير مكتب النائب الأول الأسبق لرئيس الجمهورية، الأستاذ علي عثمان محمد طه.
أستاذنا عمر كان محبوباً وكان رياضياً يشارُ اليه بالبنان، إذ كُنَّا نراه وفيه بريق فريق المريخ الذي لعب بين صفوفه، وكان يرى في بعضنا ما لانراه في أنفسنا، وقد ساندني عندما رفضّت الدراسة في القسم العلمي، وإنتقلت إلى القسم الأدبي ناقلاً مستلزماتي الخاصة بالدراسة، متحدّياً قرارات الإدارة، وأقنع والدي بصواب إختياري، ولا أنسى مواقف أساتذتنا الكرام الذين وقفوا إلى جانبي لأنتقل إلى القسم الأدبي ويلحق بي بعد ذلك زميلي فريد محمد أحمد – الدكتور والإقتصادي والخبير في البنك الدولي حالياً – لكن مساندة أستاذنا عمر كانت ذات أثر كبير .
صدر للأستاذ عمر حسن الطيب ثلاثة كتب من قبل، وأحمد له أنه قد أهداني نسخةً من كل كتاب، مع إهداء رقيق ، فهو رجلٌ يحسّن الظن بعددٍ من تلاميذه، وشرّفني بأن أكون واحداً منهم ، وقد حمل كتابه الأول إسم (أسرة الهاشماب.. حدائق وعيون) وحمل الثاني إسم (السفر الأول والسفر الثاني) بينما حمل الثالث إسم (تحفة الأصفياء في سيرة الرسل والأنبياء)، وهو رجل موسوعي المعرفة وهو خبير تربوي درس في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، وعمل معلماً ووكيلاً ثم مديراً في عددٍ من المدارس الثانوية بمختلف ولايات السودان، وعمل لفترة بمدارس المملكة العربية السعودية، وأصبح مديراً فنياً للتعليم الثانوي الى جانب وظائف قيادية في وزارة التربية والتعليم ، لكنه يعتزّ دائماً بأنه (معلم تاريخ) .
كتاب الأستاذ عمر حسن الطيب هاشم الجديد، جاء في (216) صفحة من القطع المتوسط، بغلاف مصقول غلب عليه اللون الأسود، وحمل صوراً لرموز السودان وأبطاله من بعانخي والإمام محمد أحمد المهدي، وصورة رفع علم الإستقلال التي تضم الراحلين الزعيم إسماعيل الأزهري، والسيد محمد أحمد المحجوب، إلى جانب شريط قاعدي من الصور لكل حكّام السودان من الأزهري وحتى رئيس الوزراء الإنتقالي الحالي حمدوك.
الكتاب يتضمّن إهداءً من المؤلف الى أسرته الكريمة أسرة الهاشماب التي أشار الى انها علمته كيف تكون الحياة، كما يتضمّن مقدمةً عن هذا المؤلَف الذي يبيّن تاريخ السودان الطويل، ويصف حياة أهل السُّودان السّياسيّة والإجتماعية، ويتتبع تطور المجتمع السُّوداني، طوال تاريخه مع وصف وتحليل الواقع في كل عصر من خلال الطرق والوسائل التي استخدمها أهل البلاد لمقابلة الصعاب التي إعترضت طريقهم ليهيئوا لأنفسهم حياة افضل.
الكتاب تضمّن عدة فصول تناول المؤلف من خلالها أسماء السُّودان القديم ، ثم السُّودان المستقل من خلال إستعراض تاريخ مملكة نبتة، ثم دخول العرب الى السودان ، وقيام السلطنة الزرقاء (مملكة الفونج).. كما تناول في فصول أخرى الحضارة ونظم الحكم في السلطنة الزرقاء ، مع رصد دقيق وتدوين للغزو التركي المصري المعروف باسم التركية السابقة، فقيام الثورة والدولة المهدية، ثم الحكم الثنائي والحركة الوطنية والحكومات السودانية الوطنية.
ما قام به الاستاذ عمر حسن الطيب هاشم من جهد، أمرٌ يستحق الإشادة والوقوف عنده ، لأننا في حاجة لكتابة تاريخنا بأقلام سودانية منصفة، وكلنا يعلم ان ما كتبه غير السودانيين عن تاريخ السودان هو الأعلى كعباً في سفر التاريخ الإنساني رغم ما فيه من مظالم تاريخية تستحق المراجعة والمعالجة، لذلك نهنئ استاذنا الجليل عمر حسن الطيب هاشم على ما قام به وما قدمه من اجل بلاده وتاريخها ، ونهنئ أنفسنا بأن أصبح لدينا سِفرٌ حقيقي يضم بين دفتيه تاريخ بلادنا التي ظلمها ابناؤها قبل ان يظلمها الآخرون .
Comments are closed.