المعادلة في صراع العسكر و الأحزاب

165

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

معلوم كما قال غرامشي ( أن الأحزاب تنشأ و تتشكل كتنظيمات لكي تؤثر في الوضع القائم في لحظات تاريخية حاسمة بالنسبة لطبقتها، و لكنها ليست قادرة دائما على التكيف مع المهام الجديدة) أن غرامشي بنى ملاحظته وفقا للبيئة الاجتماعية التي كان يعيش فيها، و الصراع الطبقي الذي كانت تشهده إيطاليا في تلك الفترة الزمنية، حيث كانت إيطاليا تعد واحدة من أكبر الدول الصناعية، و لكن المقولة ربما تضعف أمام الحالة السودانية التي أصبح المجتمع فيها يتشكل من طبقتين الفارق كبير بينهما بحكم تراكم رأس المال ” إذا كان طفيليا أو غيره” الطبقة العليا التي كونت رأس مالها من خلال مؤسسات الحكم ثم المضاربات التجارية بعيدا عن الصناعة و الزراعة، و الطبقة الوسطى التي فقدت موقعها الطبقي بحكم الأزمة الاقتصادية و تدهور العملة الوطنية أمام الدولار، و أصبحت جزءا من الطبقة الدنيا.. أن تراجع الطبقة الوسطى أو غيابها كان له أثرا سالبا في تراجع دور الاستنارة في المجتمع و أيضا الجانب التحريضي للتغيير من جانب أخر. الأمر الذي أضعف المؤسسات الحزبية و أفقدها القدرة في فترة التغيير السياسي أن تحدث ربطا بين الديمقراطية و التغيير الاجتماعي.

الملاحظ بعد ثورة ديسمبر 2018م، غياب الفاعلية للأحزاب التقليدية في إدارة الأزمة السياسية ” الاتحادي الأمة الشيوعي ” استثناء “الإسلاميين بكل تفرعاتهم” و غياب فاعلية الأحزاب الثلاثة لأنها استنفدت كل طاقتها في المعارضة ” ثلاث عقود” و حدثت لها انقسامات و تشظيات عديدة خرجت من قياداتها عناصر ذات كفاءة معرفية و فكرية أثرت فيها سلبا. و في الجانب الأخر نجد هناك حركات مسلحة استقطبت عناصر جديدة لها رؤى مخالفة للأحزاب التقليدية، كما أن المناطقية و الجهوية التي ظهرت بقوة في حكم الإنقاذ كانت ذات أثر منشط قوى للشباب لكي ينخرطوا و يلتحقوا بالحركات المسلحة.. في جانب أخر نجد أن انتشار التعليم و تطور وسائل الاتصال خاصة الاجتماعي خلق وعيا جديدا خارج المؤسسات الحزبية، فكانت القوى الواعية من الشباب خارج الأحزاب أكثر أتساعا من التي تم استقطابها في الأحزاب التقليدية. فإندلاع الثورة في مناطق خارج المركز و من ثم زحفها للمركز كان بسبب الوعي خارج اسوار الأحزاب.

أن صعود تنظيمات جديدة بعد سقوط النظام ليس بسبب طرحها السياسي أو قدرتها على الاستقطاب أنما بسبب نفور الشباب من القوى التقليدية العاجزة في مجاراة الأحداث، و يرجع ذلك لعجزكبير في قياداتها المطروحة لكي تتفاعل مع الشارع، فكانت قيادات تحاول أن تجر الكل لإرث الفشل السياسي السابق. و اعتقدت الأحزاب الجديدة إنها قادرة أن تقود السفينة إلي بر الأمان، و نسيت أنها سوف تواجه تحديات كبيرة من قبل القوى التقليدية حتى التي كانت معها في تحالف ” قوى الحرية و التغيير” أن خروج الحزب الشيوعي من التحالف و إعلانه إسقاط الحكومة كان تحديا للقوى الجديدة، تجميد حزب الأمة لنشاطه داخل التحالف أيضا كان تحديا. و أيضا عدم قبول الاتحادي بماركته القديمة كان تحديا، لآن كل ذلك مخصوم من الرصيد الاجتماعي الداعم للثورة. الأحزاب الجديدة كانت تعتقد أن انسحاب هذه القوى من المسرح السياسي يعني أنها كسبت المعركة السياسية و بالتالي سوف تستطيع أن تعمل على هندسة الوضع السياسي لوحدها، و هذا تفكير ساذج تغيب عنه التجربة السياسية من جانب، و من الجانب الأخر لم يكن لها الاستعداد لخوض صراع مع قوى ذات تجربة نضالية واسعة، أول ما فعلته خربت العلاقة بين الأحزاب الجديدة القابضة على السلطة مع الشارع فأصبحت القوى الجديدة في ” قحت” ليس لها أي كروت ضغط تستطيع استخدامها إذا كان مع العسكر أو مع القوى السياسية التقليدية، و هذا الذي جعلها تهرب للبحث عن نصير قوي لم تجد غير العامل الخارجي.

القوى الجديدة اعتقدت أن سقوط الإنقاذ يعني خروج الإسلاميين من الساحة السياسية، و خدعتها بعض القوى التي كانت قد أطلقت شعار ” أي كوز ندوسو دوس” أولا اعتقدت إذا استطاعت أن تخلق حالة صدام قوي مع الإسلاميين سوف تعيد الشارع لحضنها.. المسألة الثانية لم تقدر قوة الإسلاميين و حركتهم في الشارع مقارنة بما تملك هي.. ثالثا أرادت أن تخلق صراعا مع قوى سياسية نسيت أنها كانت تحكم ثلاثة عقود و لها خبرة كبيرة في الصراع السياسي، و ماتزال تسيطر على كثير من خيوط اللعبة السياسية.. رابعا عندها تجربة كبيرة تجعلها قادرة على المناورة و التكتيك، و أيضا هي تملك أدوات الصراع التي تحركها كما تشاء.. أن عدم تقدير ” قحت المركزي” يرجع لقلة الخبرة معرفة امكانيات الاخر، و حالة الاندفاع التي كانت تمارسه دون وعي فقط تتحكم فيها ردات الفعل. استفاقت أخيرا و هرولت لحزب الأمة لكيينهي تجميده و يأتي ليقود التحالف بعد ما وافقت على منحه 60% من المحاصصات.

إذا الصراع داخل الأحزاب هو الذي أضعف القوى المدنية، التي نسيت الشارع و أصبح رهانها يعتمد على القوى الدولية أن تكون لها رافعة للسلطة. و كان ذلك في مصلحة المكون العسكري الذي يجيد المناورة و التكتيك، و القدرة على صناعة الحدث، و بدأت ” قحت” تتراجع من الهجوم إلي الدفاع، و كل مرة كان المكون العسكري يسجل عليها نقاط، حيث انفرد بمفاوضات السلام مع الحركات، و خرجت الأحزاب من هذه الدائرة. عجزت الأحزاب أن تشكل المجلس التشريعي، أعطاها التصرف في لجنة التمكين لتكون في صراع مباشرة مع الإسلاميين.. أعطى حمدوك الحق بشراء 350 مليون دولار من السوق الموازي الأمر الذي رفع الدولار من 50 جنيها إلي 125 جنيها أثر على معيشة الناس جعلها في مواجهة مع الشارع.. و في النهاية قام بانقلاب 25 أكتوبر حل بموجبه حكومة حمدوك الثانية، جعل “قحت المركزي” في مواجهة مع الشارع عندما رفض الشارع قيادات “قحت” المشاركة في التظاهرات ضد الانقلاب، حاولت قحت كسب الميليشيا و كانت الحرب.

أن الحرب الدائرة و افعال الميليشيا و حربها على المواطن في الخرطوم و الجنينة و زالنجي و الجزيرة جعلت الجماهير تلتف حول الجيش.. هذا التحول في الحرب لابد أن يخلق واقعا جديدا في المجتع و في الساحة السياسية، و منذ الحرب استطاعت قيادة الجيش أن تستخدم التكتيك و المناورات بصورة تجعلها تتحكم في إدارة الشأن السياسي و العسكري.. و الآن بدأ النشاط الفعلي للمقاومة الشعبية لكي تصبح هي أداة الفعل السياسي في المستقبل.. و هي التي سوف تجعل الأحزاب التي كانت ترفض الانتخابات تنادي بالانتخابات كمخرج من الأزمة مع انعقاد المؤتمر الدستوري قبل العملية الانتخابية. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.