في جدل الصراع: الأحزاب أخر من يعلم

94

بقلم::زين العابدين صالح عبد الرحمن

يقول المفكر علي حرب في واحدة من تجلياته ( فمن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره و من لا يبدع فكرا هو عاجز من أن يؤثر في مجرى الأحداث و تطور الأفكار هذا هو المأزق الذي يمسك بخناق المثقف العربي)

أن العديد من السياسيين السودانيين لا يريدون بقرأت الواقع بواقعية، و معرفة القوى المحركةللأحداث، و أيضا معرفة أين يميل ميزان القوى في المجتمع. أن الجدل الذي كان دائرا في الساحة السياسية قبل الحرب ما عاد مفيدا العودة إليه إلا من باب الاستفادة من التجربة، لكن الأحداث قد تجاوزت أجندة الماضي ما قبل 15 إبريل 2023م  و أفرزت أجندة جديدة، و أيضا لاعبين جدد دخلوا المسرح السياسي، الأمر الذي يحتاج لمراجعة أوراق اللعبة السياسية، لأنها بالضرورة سوف تغيير من طبيعة التحالفات السابقة، و تبرز تحالفات جديدة و اجندة جديدة.. لكن للأسف هناك قيادات سياسية تعتقد أن الأحداث ما هي إلا مظاهر خارجية لا تؤثر على الأجندة السابقة… هذا نوع من الجمود العقليالسبب فيه ضعف القدرات التي تساعد على الإدراك، و هؤلاء سوف يصبحون كتل معيقة لعملية الحل الذي يؤدي لتحول ديمقراطي حقيقي، و ليس شعارات معلقة في الهواء لا تتوافق مع العديد من المرجعيات الفكرية لهؤلاء..

هذه المقدمة نختبرها على مجريات الواقع السياسي و التحولات التي حدثت في الساحة السياسية من تغييرات.. كانت ” قحت المركزي” هي التي تقود العملية السياسية قبل 15 إبريل 2023م و حتى بعد الحرب بشهور.. أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ” مولي في ” منظرة ” الإتفاق الإطاري” قد اكتشفت أن رهانهم على “قحت المركزي” سوف يفشل مشروع عملية التحول الديمقراطي بالرؤية التي تريدها أمريكا، و لابد من أحداث تغيير في المشهد السياسي، لذلك أوعزت إلي أربعة من الذين لهم علاقة بالمؤسسات الأمريكية  و هم ” الباقر العفيف و بكري الجاك و نور الدين ساتي و عبد الرحمن الأمين” أن يشرعوا في تأسيس تنظيم القوى المدنية الذي أصبح أخيرا ” تقدم” هذا تحالف جديدة تتقدمه القوى المدنية بالرؤية الأمريكية لتقود العملية السياسية. التحالف جعل في القيادة ” 70% من المدنيين و هؤلاء عبار عن أفراد و مؤسسات مجرد أسماء فقط و ليس لها قواعد اجتماعية و 30% أحزاب” ماذا يعني هذا؟ يعني أن قيادات الأحزاب أعترفت بشكل صريح إنها عجزت عن إدارة الأزمة بالصورة المطلوبة، و أعطت القيادة لأفراد مستقلين.. أي دخول لاعبين جدد على المسرح السياسي، أن هذا التحالف كان لابد أن يخلق صراعا داخل الأحزاب المنضوية فيه، لأنه من غير المعقول أن تتراجع الأحزاب عن دورها فاسحة المجال لأفراد مستقلين، الأمر الذي ثار عليه حزب الأمة و قدم برنامج إصلاح و تعديل في ميثاق التحالف..

إذا نظرنا إلي المشهد من الجانب الأخر: نجد أن الحرب قد خلقت استنفارا شعبيا كبيرا داعما للجيش، هؤلاء من قبل كانوا يقفون مع الأحزاب مناصرة لشعارات ثورة ديسمبر، و هؤلاء كانوا يقولون شكرا حمدوك و يبجلونه، الآن يقفون في الجانب الأخر المعاكس لموقف حمدوك.. ذهب حمدوك للقاهرة و عقد فقط اجتماعين مع القيادة المصرية الأول كان مع وزير المخابرات عباس كامل و الثاني مع أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية.. و لا أدري لماذا أخفت ” تقدم” أسم القيادةالمصرية. رغم أن مصر أحترمت حمدوك بالاجتماع مع وزير المخابرات و كان يمكن أن ترسل فقط مندوبا للقاء لمعرفة مايريده حمدوك من مصر، و هذا يبين أن حمدوك حقيقة يحاول أن يراهن على لقاء الفريق أول البرهان و قائد الميليشيا حميدتي،و لا اعرف تقديرات الحكومة المصرية في ذلك لأنها لم تعلق عليه... رغم أن المتغيرات في ارض المعركة هي وحدها التي يجب الرهان علي إفرازاتها، إذا كان مقبولا للجيش و المقاومة الشعبية و الشعب الذي يؤيد الجيش مقابلة الفريق أول البرهان مع قائد الميليشيا حميدتي.. لكن الغريب أن حمدوك في زيارته تجاهل مئات الآلاف من السودانيين المتواجدين في مصر. و أيضا تجاهل الصحافيين و الإعلاميين السوداني و حتى السياسيين، مما يؤكد أن تحالف المدنيين قاصر على مجموعة بعينها فقط.. فهل حمدوك بالفعل يريد جبهة مدنية عريضة؟ تجاهل حمدوك للسودانيين في القاهرة يؤكد أن حمدوك لديه أجندة غير معلنة يسعى لتحقيقها..

في جانب أخر لمتغيرات المشهد السياسي: ننظر في البيان الذي أصدرته ثلاث أحزاب سياسية هي ” الأمة القومي و الشيوعي و البعث الأصل” و البيان يحمل تصورات سياسية رغم أن الثلاث أحزاب مواقفها متعارضة… و توقيع حزب الأمة بيان مع الشيوعي الذي له موقف سالب من ” تقدم” و البعث الذي يقف وحيدا في الساحة؛ يؤكد أن حزب الأمة يعاني من اضطراب داخلي، و التوقيع على البيان ربما تكون محاولة لكسب مناصرين له إذا غادر محطة ” تقدم” .. يقول البيان ( يجب تكثيف جهودنا عبر العمل الجماهيري الميداني وسط القواعد بالداخل و مع ابناء شعبنا بالخارج من أجل محاصرة دعاة الحرب و الضغط على أطرافها و داعميها لإيقاف الحرب و فتح المسارات للمساعدات الإنسانية) السؤال ما هو الذي يمنع هؤلاء الذهاب مباشرة للسودان، و إقناع الشعب بوقف الحرب، بدلا من رسائل المناشدة؟ لماذا الخوف من الشعب؟.. و هذا متغير جديد في الواقع أن الأحزاب التي كانت تعتقد أن الشارع تابع لها بدأت تتخوف منه و تتعامل معه من خلال المناشدة.. هذا يؤكد أن الحرب تفرز واقعا جديدا تتغير فيه العديد من الأجندة..

من أهم بنود البيان الفقرة السابعة، و تبين مدي فقر المعلومة عند الأحزاب، و أن هؤلاء أصبحوا خارج المسرح السياسي تقول الفقرة ( نما إلي علمنا تسريبات و معلومات ” غير منشورة” تدور في الخفاء الأيام الماضية عن إعداد يتم لمشروع تسوية تؤسس لشمولية يتم فيها تقاسم للسلطة لمدة عشرة سنوات بين الجيش و الدعم السريع و أرتال من الحركات المسلحة و بعض المسميات لتنظيمات مدنية.. و هي ” تفاهمات” مرفوضة موضوعا وشكلا.. و سنقوم باستعراضها و عمل تبين لخطورة التماهي معها أو الصمت عليها) إذا كانت معلومة غير متأكدين منها لماذا نشرتوها في البيان؟ هذه إشارة لزيارة حمدوك.. و أحزاب سياسية فشلت أن تتأكد من معلومة رغم أن حزب الأمة ليس ببعيد عن قيادة الميليشيا.. هذه الفقرة لوحدها تؤكد أن العديد من الأحزاب السياسية تراقب الحرب و مجرايتها و حتى مسعى وقفها من خلال القروبات و الايفات و لا تملك أي معلومات مؤكدة تستطيع أن تبني سياستها وفقا لها، أليس هذا يؤكد سبب فشل الفترة الانتقالية لقصور في الأحزاب.. نسأل الله حسن البصيرة..  

Comments are closed.