ياسر العطا يحدث تغييرا في اجندة الحوار
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
استغل الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام اللقاء مع تنسيقية القوى الوطنية في وداي سيدنا و قال (أن الجيش لن يسلم السلطة لقوى سياسية أو مدنية أو أحزاب من دون انتخابات( هذا الحديث قد أثار غبارا كثيفا وسط القوى السياسية بين مؤيد و رافض، و اعتبر الرافضون قول العطا هو تخطيط نظام شمولي قادم، و بعض آخر عتبر حديث العطا لا يعبر عن السلطة الحاكمة.. القضية المهمة في هذا الجدل أن الأغلبية في الجانب المعارض تخشى من فتح الحوار السياسي بوضوح في القضايا المثارة.. ياسر العطا ليس سياسيا حتى يدخلنا في جدل هذا يمثل رؤيته أم رؤية المؤسسة التي ينتمي إليها.. و بالصفتين اللتين يحملهما العطا ” مساعد القائد العام لجيش و عضو مجلس السيادة” تؤكد أن هذه رؤية القوات المسلحة.. و لا يمكن العطا يقف في منبر عسكري و يدلي بحدثه الشخصي..
كما ذكرت تكرارا في المقالات السابقة “من الذي يصنع الحدث في السودان” الآن الجيش يلغي كل الأجندة السابقة، و الدائرة في الساحة السياسية السودانية لكي يضع بديلا عنها أجندة جديدة. و يقدم الجيش رؤيته لفترة ما بعد الحرب ” الفترة الانتقالية” التي تنتهى بانتخابات، و بعدها تتسلم القوى المنتخبة شرعيا السلطة.. بدلا من توهان القوى السياسية و التحليق في فضاء الخيالات، يجب عليها أن تقدم رؤيتها البديلة، بدلا عن صدور البيانات التي لا تخلق واقعا جديدا، و لا تساعد على حل الأزمة.. الجيش قرأ الواقع قراءة جيدة، و اراد أن يرسل رسالتين.. الأولى قدم أجندة جديدة للساحة السياسية لكي تتجادل فيها، ثم فتح حديثا سياسيا كرسالة لكل السودانيين يقول فيها أن الجيش مسيطرة سيطرة كاملة على إدارة الحرب التي تقود في النهاية للإنتصار.. الثانية وقوف الأغلبية الشعب السودان مع الجيش في معركة الكرامة، يعتبر تحول للشارع لصالح الجيش، الأمر الذي جعل ميزان القوى يميل في جانب واحد ” مصلحة الجيش” و بنية رؤية الجيش على أن القوى السياسية منقسمة و غير موحدة و كل تحالف يحاول يضع شروط للآخرين هذه سوف تشكل تحديات للفترة الانتقالية..
القضية الأخرى: أيضا الجيش يريد أن يرسل رسالة إلي المبعوث الأمريكي توم بيربيلو الذي يطوف على عواصم الدول المجاورة للسودان و دول الإيغاد و الإلتقاء بسياسيين خارج السودان، حيث قال في تغريدة له (أن لقاء ناشطين شباب سودانيين كان مصدر إلهام له لإنهاء هذا الصراع، و لكن أيضا في بناء السودان) فالرسالة إذا كانت أمريكا لها أجندة خاصة أو تريد أن تدخل أنفها في الشأن السياسيالسوداني هذا مرفوض جملة و تفصيلا، أما إذا كانت تريد أن تلعب دور الوسيط ، فهناك منبر جدة و التفاهم مع السلطة يكون على ذلك المنبر.. أن معركة أخرى سياسية تريد أن تقودها أمريكا و الاتحاد الأوروبي و دول أخرى في المنطقة لمصلحة فئة من الناشطين السياسيين هذه غير مقبولة مرة أخرى… و حتى تقديم المبادرات من دول خارجية أيضا غير مقبول.. أن العملية السياسية يجب أن تكون سودانية بعيدا عن الأجندات الخارجية.. إذا كانت هناك قوى سياسية تتخوف أن تقود حوارا سياسيا مع قوى سودانية أخرى للوصول إلي توافق وطني من أجل بناء السودان، أفضل لها أن تحل نفسها بدلا من الرهان على اجنبي لكي يكون رافعة لها…
المفهوم من حديث الفريق أول ياسر العطا أن الجيش سوف يشرف على الفترة الانتقالية، ليس معنى ذلك هو الذي يحكم، بل هو الذي سيشكل حكومة مدنية من التكنوقراط، و هي التي تقوم بالمهام التنفيذية للدولة، و الجيش يقوم بالمهام السيادية حتى الانتخابات.. أن خروج البلاد بعد ثورة ديسمبر كانت المهمة سياسية تفكيك دولة الحزب الواحد لمصلحة التعددية، و الإصلاح الاقتصادي بهدف تحسين شروط معيشة المواطنين، و تأسيس المفوضيات و خاصة مفوضية الانتخابات و القيام بالإحصاء السكاني، لذلك البلاد لم تكن في دائرة الحرب و إفرازاتها. الآن الوضع مختلف تماما لبلاد خارجة من حرب استهدفت البنية التحتية و اغلبية مؤسسات الدول و مؤسسات الخدمات و مساكن المواطني و السلاح منتشر في كل السودان، و باتت البلاد مهدد من أغلبية أطرافها بمرتزقة و دول داعمة لهؤلاء.. في هذه الفترة غير مرغوبة بروز النزاعات السياسية التي تفقد البلاد قدرتها على أتخاذ القرارات المطلوبة تجاه المهددات الأمنية. فوجود الجيش في الفترة الانتقالية مسألة في غاية الأهمية لضبط الأمن و التصدي للمهددات..
أن أغلبية القيادات السياسية المطروحة في الساحة السياسية الآن عينها في اتجاه واحد كيفية الوصول للسلطة.. و الصراع السياسي الذي كان دائرا قبل الحرب حول ” الإتفاق الإطاري” كان صراعا من أجل السلطة، و ليس له أي علاقة بقضية التحول الديمقراطي، القوى السياسية التي جاءت بمصطلح ” عدم الإغراق السياسي” هي قوى أجندتها الرئيس المحاصصات من أجل وظائف دستورية.. و هؤلاء قالوا من قبل لا يمكن “تجريب المجرب” و هي الآن لا تملك أي رؤية جديدة.. أن محاولاتها الهث وراء الخارج لكي يشكل لها رافعة مسألة غير مجدية و فقدت قيمتها في الصراع لآن نتيجتها كانت الحرب.. لذلك على هذه القوى أن تعيد النظر في مشروعها السياسي الذي فقد آهليته، و تأتي بمشروع بديل ينظر في عملية التحول الديمقراطي و مطلوباته بعيدا عن رهان السلطة.. أن الجيش قدم رؤيته المطلوب أن تقدم القوى السياسي رؤاها كأجندة حوارية و ليست قرارات للتنفيذ…
أن الأحداث متصاعدة، و أن التفاوض من أجل إرجاع الميليشيا مرة أخرى لكي يكون لها وجود عسكري أو سياسي مسألة مرفوضة من قبل الجيش و الشعب الذي يقاتل معه. و على القوى السياسية أن تؤسس رؤاها على افتراض خروج الميليشيا من المشهد، و الذين يسعون من أجل إعادة الميليشيا يعتقدون غياب الميليشيا سوف يقلل فرص مشاركتهم في العملية السياسية، رغم أن ليس هناك من طالب بالإقصاء لأي قوى سياسية، هم وحدهم حملة ورقة الإقصاء.. و ختاما أن الجيش قدم رؤيته و على القوى السياسية تبين رؤيتها. قبل الأحداث تتغير و الجيش يفرض أجندة جديدة تتوافق مع المتغيرات الجديدة.. الغريب في الأمر أن القوى السياسية هي التي كانت تخلق الأحداث من خلال تقديم المبادرات و الأفكار، و لكن غاب الذين يشتغلون الشغل الذهني و تحولت السياسة لهتاف و شعارات لا اثر لها في الواقع و الشارع دون أي فاعلية.. نسأل الله حسن البصيرة..
Comments are closed.