الاتحاديون أزمة فكر أم قيادة

61

بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن

مرت الحركة الاتحادية بعدة أطوار تاريخية من حيث تكوينها و تمددها و أثرها الثقافي و السياسي في المجتمع.. عندما بدأت تتخلق الحركة الاتحادي بكل تفرعاتها المكونة لها قبل الاستقلال كان منبعها الطبقة الوسطى الناشئة جديدا في البلاد بحكم التعليم الحديث، و الذي أسسه المستعمر في أوائل القرن الماضي، و محدودية التعليم  صنع طبقة جديدة أيضا محدودة في تصوراتها، و لكن بحكم تعليمها و موقعها الاجتماعي كانت مؤثرة ثقافيا و سياسيا في المجتمع. ظلت الحركة تتوسع بتوسع رقعة التعليم، و لكن جاء منافسون لها على ذات الطبقة بعد أن شهد التعليم توسعا من ” الشيوعي الإسلاميين” و بعد الانقلاب مايو 1969م و انخراك الاتحاديون في الصراع ضد ديكتاتورية مايو من خلال الجبهة الوطنية التي كانت تضم كل من ” الاتحادي الامة الحركة الإسلامية” راهن الشريف حسين على قطاعين في المجتمع الطلاب و العمال و ظل داعما لهما باعتبار أنهم يمثلون القوى الحية في المجتمع بعد تراجع قوى الوسط التي شهدت أزمة كبيرة بسبب التدهور الاقتصادي الذي عان منه نظام مايو.. هذا التحول رغم أنه صعد النضال ضد النظام لكنه أيضا كان يعاني من الجمود الفكري بسبب ضعف الطبقة الوسطى..

ظهر الصراع وسط الاتحاديين بعد موت الشريف حسين في عام 1982م في أثينا حيث توقف دعم الحزب لقطاع الطلاب و العمال، و انحصر الصراع بين القيادات الاتحادية التي جاءت عقب موت الشريف حسين، و أيضا المصالحة بين الجبهة الوطنية مع نميري في بورتسودان 1977م الذي وقعه الصادق المهدي، و جاء الصادق و القيادات الإسلامية و اصبحوا أعضاء في الاتحاد الاشتراكي، تراجع دور الصادق بينما استطاعت الحركة الإسلامية أن تستفيد من وجودها في النظام لكي تكون مؤسساتها المالية، و بعد المصالحة ضعف دور المعارضة، مما صعد نضال النقابات المهنية حتى نجحت في انتفاضة إبريل 1985م.. بعد الانتفاضة تزايدت الصراعات وسط القيادات الاتحادية و انقسمت إلي ثلاث مجموعات.. الأولي يترأسها الشريف زين العابدين الهندي و محمد الحسن عبد الله يسن..المجموعة الثانية يترأسها على محمود حسنين و طيفور الشايب و أخرين.. و المجموعة الثالثة يترأسها حاج مضوي و محي الدين عثمان و أخرين.. اشتداد الصراع جعل الشريف زين العابدين و محمد الحسن عبد الله يسن يتصلان بالسيد محمد عثمان الميرغني الذي كان قد اتخذ من سنكات مقرا له بعد الانتفاضة. عودة الميرغني تعتبر مرحلة جديدة للحزب و هي مستمرة حتى الآن.

كان الشريف حسين الهندي يقدم تصورات عبارة أن كبسولات فكرية في العديد من القضايا المطروحة، و تحتاج إلي اجتهاد فكري و شرح من قبل عضوية الحزب في القطاعات المختلفة، و لكن توقفت هذه التصورات و أصبح الفعل السياسي أقرب لردة الفعل للأحداث الجارية من عمل منهجي يشرح و يحلل و يقدم حلولا.. عندما استطاع السيد الميرغني أن يقبض على مفاصل الحزب حدث جمودا كبيرا في الدائرة الفكرية، حتى أن الحزب دخل الحكومة دون أي رؤية واضحة، حتى استطاع كل من محمد توفيق و سيد احمد الحسين أن يستغلا حركة القيادات النقابية المهنية في حوارها مع الحركة الشعبية و يقطفا ثمرة تلك الحوارات و وضعها في اتفاق بين الاتحادي و الحركة الشعبية و الذي وقعه الميرغني مع جون قرن و سمي ب “أتفاقية الميرغني قرن 1988م” و الاتفاقية ليست فقط لوقف الحرب و جذب الحركة للمساهمة في النظام الديمقراطي، لكن الاتفاقية كان الهدف منها هو إعادة دور الحركة الاتحادية في الإسهام الفكري و الثقافي في تعبيد طريق عملية التحول الديمقراطي في البلاد، و هذا التحول كان الهدف منه هو إعادة الدور الاستناري للطبقة الوسطى، لآن الاتفاقية كانت في حاجة لضخ العديد من الأفكار السياسية في قضايا الحكم و الثقافة و الاقتصاد و غيرها، هذا التحولالسياسي و الفكري الذي كان يجب ان تخلقه الاتفاقية، كان سوف يضيق الخناق على القوى السياسية الأيديولوجية في البلاد لأنه سوف يحاصرها، لذلك بدأ الكل يزحف نحو القوات المسلحة بهدف القيام بإنقلاب على نظام الحكم خوفا من التوجه الجديد ، فالانقلاب الذي قامت به الجبهة الإسلامية ليس ضد نظام الصادق المهدي و لا ضد مذكرة الجيش لرئيس الوزراء، أنما كان يستهدف الاتفاق الذي كان وقعه الميرغني مع قرنق..

بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية 30 يونيو 1989م، و تحول الحزب الاتحادي الديمقراطي للمعارضة تجمد الدور الفكري في الحزب، لذلك أصبح الحزب لا يصنع الأحداث أنما يعلق عليها في حدود، حتى لا يصبح الحزب في أي حالة صدامية مع النظام بشكل مباشر. و رغم أن التجمع الوطني الديمقراطي تبنى الكفاح المسلح كأداة ضد نظام الإنقاذ، إلا أن مساهمات الاتحاديين كانت محدودة فيه من خلال قوات الفتح، و ظلت قيادة الحزب تحافظ على هذا الجمود حتى تم الاتفاق في ” نيفاشا” بين الإنقاذ و الحركة الشعبية في 2005م حيث أصبح للحزب مشاركة في نظام الحكم من خلال نسبة 14% هي نسبة يشارك فيها كل عضوية التجمع الوطني.. و استمر الحزب في السلطة بعد انفصال الجنوب، الأمر الذي أدى إلي انقسامات وسط الحركة الاتحادية و ظهرت اسماء عديدة، منهم ذهب إلي قوى الاجماع الوطني، و أخرين إلي نداء السودان.. و رغم تعدد الأسماء لكن أصبحوا جميعا على هامش العملية السياسية، حتى بعد ثورة ديسمبر صعدت مجموعة ” التجمع الاتحادي” الذين كان يقع عليهم عبء الدعوة للوحدة. و التجمع الاتحادي استطاع أن يكون جزء من تحالف يصنع الحدث قبل 25 أكتوبر 2021م و أيضا في ” الإتفاق الإطاري” حتى قيام الحرب..

أن الاتحاديين يهربون من الطائفة بإعتبارها تضيق مواعين الديمقراطية، و تفقد المؤسسة دورها، و ينحصر القرار في دائرة رئيس الحزب، و لكن الذين يهربون من هذه الإدعاءات هم أنفسهم يمارسون ذات الفعل، و كل ما اجتمعوا من أجل الوحدة ذات نشقاقاتهم أكثر، و تشظت وحداتهم التي كانت تجمعهم، و يرجع ذلك لضعف الثقافة الديمقراطية من جانب، و سطوة المصالح الخاصة على العامة من جانب أخر.. هذا يعود أن الحزب تحول من مشروع سياسي للبناء الوطني و المجتمعي إلي أداة لخدمة المصالح الخاصة، و معلوم الاهتمام بالمصالح الخاصة لا تجعل العضو يكون داعما لعملية الثقافة السياسية و الاجتهاد الفكري، بقدر ما يميل إلي الأمراض الاجتماعية ” التملق و الانتهازية و الوصولية و غيرها ” لذلك غاب الفكر كدور مهم في عملية الإصلاح و التطوير، و جاءت بقيادات متواضعة لا تستطيع أن تقدم مبادرات تخرجها عن دائرة تفكيرها المحصور في الرغبات الخاصة. نواصل.. نسأل الله حسن البصيرة..

Comments are closed.