آمال العودة تشق العتمة .. أشباح الحرب ما زالت تخيم على أم درمان القديمة
متابعة:(صحوة نيوز)
يتلمس سكان أحياء أم درمان القديمة الذين ضاقوا ذرعا بالنزوح امكانية العودة إلى منازلهم في الأحياء العريقة، لكن هذه التطلعات لا تبدو سهلة التحقق قريبا فما زالت القذائف غير المتفجرة والجثث المتحللة في كل مكان، كما أن البطء يلازم عمليات الصيانة لخطوط المياه الكهرباء.
وبعد مرور قرابة الخمسين يوما من اعادة الجيش لسيطرته على أحياء وسط أم درمان وإلحاقه الهزيمة بقوات الدعم السريع التي ظلت تسيطر على المنطقة بما فيها مباني الإذاعة والتلفزيون منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل من العام الماضي، ما زالت خطوات السلطات الحكومية تتقاصر أمام المبادرات الداعية للعودة ومن ضمنها مبادرة باسم “راجعين” على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي حي أبو روف كانت السيدة “أ. ع” برفقة اشقائها، يهمون بدخول منزل الأسرة بلهفة جعلتهم يسرعون الخطى عندما اقتربوا لأول مرة من منزلهم العتيق.
لاحت علامات الحسرة على الوجوه وهم يعبرون بصعوبة الأنقاض داخل باحة المنزل الذي تضررت أجزاء منه جراء القذائف المدفعية، بينما خلا من كل المقتنيات والأدوات الكهربائية بسبب عمليات النهب.
وقالت “أ. ع” لسودان تربيون إنها تمكنت من العثور على أوراقها الثبوتية وصورة فوتوغرافية التقطت لها في تسعينيات القرن الماضي عند تخرجها من الجامعة.
وعندما استمرت السيدة في البحث عثرت أيضا على بطاقة معايدة منذ العام 1989 كان أرسلها لها شقيقها من القاهرة. أخذت نفسا عميقا وقالت “لا أعرف ما فقدت حتى الآن من ذكريات وأوراق. هذه الحرب صفرت العداد لكل شيء، حتى ذكرياتنا”.
وعلى مقربة من منزل السيدة “أ. ع” كان ثمة متطوعون من شباب الحي يعملون بجهد وبإمكانيات شحيحة لإعادة توصيل كوابل الكهرباء من دون أن يصيبهم اليأس بالنظر لحجم الأعمدة المدمرة والكوابل الممددة على الأرض جراء العمليات العسكرية.
وقال أحد الشباب المتطوعين إنهم يستغلون كل صباح حافلة من أحياء ضاحية الثورة شمالي أم درمان توصلهم إلى حيهم للعمل في عمليات الصيانة والنظافة ثم يعودون مساءا إلى ضاحية الثورة حيث نزحوا بسبب الحرب. وأضاف “ننتظر بفارغ الصبر اليوم الذي نتمكن فيه من السكن مجددا في حي أبو روف”.
لكن الصورة في غالب أجزاء حي ود نوباوي بدت أكثر قتامة، وبدا الحي أشبه بمدينة أشباح، بلا ناس أو حركة سوى بعض السيارات العسكرية التابعة للجيش التي تعبر بين الفينة والأخرى لتثير جلبة سرعان ما تنتهي بصمت مطبق.
الدمار في الحي العريق يبدو أكثر وضوحا، المنازل إما مدمرة أو محروقة أو منهوبة والجدران كلها نقشت عليها الذخائر والمتفجرات ما نقشت، وأعمدة الكهرباء إما ساقطة على الأرض أو آيلة للسقوط بسبب الذخائر.
والبيوت هنا – في ود نوباوي – تدخلها عبر أبوابها المشرعة بفعل اللصوص، سواء كانوا جنودا مسلحين أو غيرهم، كل مقتنياتها غير الثمينة عبارة عن أنقاض مكومة أو مبعثرة، في كل بيت تقريبا تجد ما تبقى من أواني وملابس مهمل على الأرض وقطعا تجد ألبومات الصور وشهادات رياض الأطفال والأوراق الثبوتية مبعثرة، فالكل خرج من هنا على عجل لا يلوي على شيء للنجاة من الرصاص وجند الدعم السريع المتربصون بالناس والحياة.
و عن خدمة المياه فبدت تعود في خطوط الشبكة في أبو روف لكن الكثير من الأحياء الأخرى، بما فيها ود نوباوي، ما زال حلم المياه فيها بعيدا وعسيرا.
وقدم مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم خلال اجتماع للجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم الخميس الماضي تقريرا حول التحركات الجارية لإصلاح العطل الرئيسي في الخط الناقل لمياه محطة القماير ووجه الاجتماع بالإسراع بتوريد مواد الخط الناقل من خارج البلاد واكمال المعالجة لإيقاف هدر المياه وتوفيرها لأحياء أمدرمان القديمة
التجول وسط الدمار والأنقاض في أم درمان القديمة يتطلب الكثير من الحذر فكل الطرقات ممتلئة بالرصاص وفوارغه وكلما أمعنت النظر عثرت على قذائف الأربجي وأنواع أخرى غير متفجرة مغروسة في الجدران والأرض.
وقال أحد العاملين في إعادة تأهيل مسجد وضريح البروفيسور حسن الفاتح قريب الله في ود نوباوي، وهو يري سودان تربيون قذيفة مغروسة في حائط منزل مجاور للمسجد وأخرى داخل باحة المسجد الخارجية، إنهم اكتشفوا القذيفة بالصدفة لأنها كانت مغروسة بالكامل في البلاط وبالكاد يظهر جزء من مروحتها الخلفية.
وذكر أن فرقا لإزالة مخلفات الحرب كانت قد التقطت عدة ذخائر من المسجد ومحيطه ووعدت بالعودة لإزالة القذائف التي تم اكتشافها لاحقا.
يذكر أن فرقا تابعة للمركز القومي لإزالة الألغام دشنت الأسبوع الماضي حملة قالت إنها ستشمل أحياء أم درمان القديمة لإزالة مخلفات الحرب والقذائف غير المتفجرة.
وقالت حكومة ولاية الخرطوم يوم السبت إنها أكملت تدريب 90 متخصصا في إزالة مخلفات الحرب والأجسام الغريبة في منطقة أم درمان القديمة.
وطبقا لوالي الخرطوم أحمد عثمان حمزة فإنه أمر بانخراط المتدربين فورا في عمليات إزالة مخلفات الحرب كبداية لأعمال التطوع على أن تدعم لجان الاستنفار والمقاومة الشعبية فرق المتطوعين.
وأشار الوالي إلى بداية نظافة أم درمان القديمة من مخلفات الحرب التي تتضمن الجثث والأجسام المتفجرة ومن ثم إعادة خدمتي المياه والكهرباء.
ويقول ممثل المركز القومي لإزالة الألغام جمال البشرى إن الدارسين تلقوا دورة متقدمة حول الطرق السليمة للتخلص من المتفجرات
عثر سكان أحياء أم درمان القديمة على العديد من هياكل عظمية لجثث داخل المنازل أو على الطرقات والأزقة وتم دفنها حيث وجدت في انتظار نقل هذه الرفات لاحقا إلى المقابر.
لكن جثث جنود الدعم السريع جراء معركة استعادة الجيش للسيطرة على مباني الإذاعة والتلفزيون في 12 مارس الماضي ما زالت على الأسفلت في شارع العرضة بأم درمان.
وبعد أكثر من 45 يوما من تلك المعركة تحللت هذه الجثث أو تحولت لهياكل عظمية وسط روائح كريهة تنبعث من المكان.
ويقول نظامي يتمركز ضمن قوة تتواجد قرب مباني محلية أم درمان، إن الكلاب الضالة نالت نصيبها من هذه الجثث ما يتطلب المسارعة في جمعها وتطهير وتعقيم الشوارع.
وإلى جانب تطهير الطرقات من الجثث فإن تنظيف ورفع الأنقاض المتمثلة في السيارات القتالية والمدنية المدمرة تبدو مهمة صعبة تحتاج لآليات وأيدي عاملة لفتح الشوارع وإزالة آثار الدمار والخراب قبل عودة الحياة إلى أم درمان القديمة.
Comments are closed.