مقولات العطا استفزاز أم استنهاض للعقل..؟

139

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

قال الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش و هو يخاطب المواقع المتقدمة للعمليات العسكرية في أم درمان قال (أن القوات المسلحةستتجاوز القوى السياسية خلال مرحلة التأسيس التي تمتد لعدة سنوات و لن تكون فيها أي حاضنة سياسية). و لكنه استدرك و قال (أن الحاضنة سوف تكون الشعب السوداني و المقاومة الشعبية) أن حديث العطا هو تأكيد لتصريحاته السابقة، بأن الجيش سوف يشرف على الفترة الانتقالية، و أختيار الحكومة التي يجب أن تطلع بمهام الفترة الانتقالية.. و لكنهم سوف يتشاورون مع الشعب و المقاومة الشعبية، و هذه إشارة للذين وقفوا بجانب الجيش فترة تحرير البلاد من الميليشيا المدعومة من الخارج و حاضنتها السياسية، و كان العطا في فترة سابقة صرح أن المقاومة الشعبية عليها أن تذهب للقائد العام و ترشح رئيسا للوزراء و ايضا الحكومة.. و الآن يكرر الحديث و لكن بشكل مبسط..

أن العطا عندما يرسل حديثا أمام جنوده يتعلق بالفترة الانتقالية و بالسلطة و الحاضنة السياسية، أكيد ليس أستهلاكا للوقت، أو محاولة للطمأنة، و لا هي رسالة استفزازية موجهة إلي أحد، بقدر ماهية أجندة حوارية تستنهض العقل من حالة الثبات التي يعيش فيها لكي يقدم رؤى لعملية بناء الدولة بعد الحرب.. و أن يخرج من بدعة الحاضنة السياسية التي جاءت بها ” قوى الحرية و التغيير” و قادت لصراع حول السلطة و المحاصصات فيما بينها، أدى إلي فشل سياسي اربعة سنوات، و انتهت بالحرب.. العطا بتصريحه يقول نريد أن نتجاوز الفترة السابقة بمكوناتها لخلق واقع جديد فيه تناغم بين مكونين مجلس عسكري سيادي يشرف على الفترة الانتقالية و التي سماها مرحلة ” البناء” و حكومة مدنية موكل إليها إدارة العمل التنفيذي للدولة. على أن تتفرغ الأحزاب لبناء مؤسساتها و تأهيلها فكريا و تنظيميا لكي تدخل الانتخابات و هي قد مارست الديمقراطية في ذاتها.

أن تصريحات العطا يجب النظر إليها باعتبارها أجندة حواريا تحاول أن تنشط العقل، بدلا من التعامل معها بأنها فرض أراء، و الحوار هو أيضا جسرا للتفاهم السلمي بعيدا عن مؤثرات عنف و عنف لفظي، و البلاد بعد الحرب تحتاج لفترة زمنية لكي يعود لها الأمن و الاستقرار و عملية بناء مؤسسات الدولة و المؤسسات الخدمية و تدوير عجلة الاقتصاد في البلاد ” احتياجات المصانع و دعم الزراعة و الخدمات بأنواعها التعليم و الصحة و الكهرباء و المياه و إصلاح البيئة” فترة للمصالحات الوطنية من خلال تنشيط قبائل المثقفين و دعم الإعلامين القومي و حتى الأهلي” كل ذلك لابدة أن يتم في تناغم و تفاهم تام بين المكونين العسكري و المدني حتى لا تجهض التجربة..

هذه الفترة تحتاج لمساحات واسعة من الحرية للإعلام و الصحافة حتى تسود الشفافية و النزاهة، و البعد عن الانحراف نحو الفساد.. كل ما كانت هناك مساحات واسعة من الحرية للإعلام و الصحافة و المبدعين في الدراما و الفنانين و التشكيليين و غيرهم من أهل  الفنون و الإبداع سوف تقل عملية الانحراف نحو الفساد و تصبح النزاهة و الشفافية عاملا مهما لنهضة البلاد. و الفترة تحتاج إلي مصالحات وطنية و شعبية بهدف العدالة، و لابد من تكوين مجلس برلماني بهدف مراقبة الحكومة و إصدار التشريعية التي تحتاجها الفترة الانتقالية، و يمكن أن يكون المجلس من خلال انتخابات في كل ولاية تشرف عليها المقاومة الشعبية، و أيضا لابد بعد فترة أن تتم الدعوة للقوى السياسية لصناعة دستور دائم للبلاد، و مادام دستور 2005م قد شاركت فيه أغلبية القوى السياسية يكون هو مسودة الدستور قابلة للحزف و للتعديل و الإضافة، ثم يخضع الاستفتاء الشعبي

و اعتقد أن ست سنوات للفترة الانتقالية هي مناسبة، أن تتم في كل ثلاثة سنوات مؤتمرات عامة للأحزاب. و بعدها لا يسمح إلي أي قيادي مكثت سنتين في القيادة أن تترشح لإدارة الحزب، لكى تتم عملية التدوير بين الأجيال.. لا يمكن أن تكون شعارات الديمقراطية مرفوعة و هناك أعضاء لا يزحزحهم من مقعد القيادة إلا الموت.. عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلي إنتاج ديمقراطي من قبل الأحزاب السياسية.. و دورتين للعضو الحزبي في القيادة يفتح المجال لأعضاء جدد ربما يكون لهم قدرات أفضل في الأدارة، و صنع المبادرات التي تساعد على الاستقرار السياسي و الاجتماعي و أيضا الإنتاج الفكري و الثقافي.. أن واحدة من حالة الفشل السياسي أن طول النظم الشمولية قد أدت لصعود عناصر ذات قدرات ضعيفة في قيادة الأحزاب، و أيضا عناصر مصابة بالأمراض الاجتماعية ” الانتهازية و الوصولية و التملق” فالمؤتمرات الديمقراطية الدورية و دخول عناصر جديدة في القيادة بصورة مستمر؛ تقنع الشباب بالدخول في الأحزاب و تطويرها، و هذا يخلق وعيا جديدا في المجتمع، و في نفس الوقت يقضي على أرث الفشل السياسي في البلاد، و الخصومات و العداوات الموروثة، أجيال جديدة أعطوها مساحات واسعة تصنع لكم وطنا جديدا مليء بالمحبة. نسأل الله حسن البصيرة..

Comments are closed.