بلاغ رقم 1.. من أرض البِشارات إلى أرض عُجم التاتشرات
بقلم: كامل عبدالله كامل
صديقي العزيز Jamal Fareh، أجد دائماً تلك العجمة التي تصيب لساني في حضور طلاقتك البهية.
لكني أحاول، مني التقصير دائماً ومنك القبول الذي يشبه بشاشتك، على عللى التي أعرف وتستر أنت.
قدمت إلى هذه البلاد الباردة والتي تغيب عنها النهارات، وتخاصمها تلك الأشعة التي منحت ملامحنا السُمرة، جئت إليها متكأً ومهجراً بعد غربة ظللت العديد من سِنيّ عمري الغضة الطرية.
غربة إمتدت على سفوح العمر، حقنت وريدي بلقاح الوحشة، لذا دائماً ما كنت وسأكون وفياً لكل الأماكن التي منحتني الدفئ.
حتي مدن النخيل التي إستهلكت نصف عمري أجدني مديناً لها بالإلفة أيضاً وذلك الونس اللذيذ مع رفقتي، والذي عاقرنا في لياليه بعض ذكرياتنا وثلة من أشواق.
منذ أن فقدت رائحة الحنين في ثوب أمي، عزمت على الرحيل صوب أبعد النقاط، إلى بلاد تموت حيتانها من البرد أيضاً كما قال سيدنا الصالح “الطيب”.
إستقبلونا بحفاوة كانت بادية على وجه موظف الهجرة، والذي تشي ملامحه وتلك العمامة التي يعتمرها بأصوله الهندية، كان شامخاً وبقامة سامقة.
وبعد أن تأكد من مستنداتي رحب بي ومنحني إقامة دائمة، تكفل لي أن أكون مواطناً كامل الدسم، يصيبني ما يصيبهم سوي أن لهم فقط حق الإنتخاب، هذا الحق الذي لم أعرفه أو أعلمه منذ أن وعيت.
فالقسم الأكبر من حياتي كان السودان يحكمه العسس، أو ما أسميتهم أنت ساسة المقدس وعجم التاتشرات المهجنة بماء الإبل وبعض الأسلحة الرديئة الصنع والفكرة بالطبع..
طالبوني ببعض الفحوصات الروتينية، أجريتها في مركز طبي ظننت للوهلة الأولى أنه مركز لصناعة السعادة التي كانت عنواناً لكل ما حولي.
كانت الصبايا رقيقات ورفيعات، ويانعات كالسنبلات الخضر في أحلام صاحبي السجن، متكئات على مقاعد متقابلات، أتت إحداهن لأخذ عينة من دمي، قدمت لي التطمينات الرقيقة بأنها ستكون رحيمة وعطوف.
فأنا مقيد في دفاتر اللاجئين المعوزين لكل إلفة حتى ولو كانت عابرة، مزجت “ليزا” عباراتها لي بالمزيد من الحنان الذي لم أعرفه من قبل، لكني أعلم إن زاد عن حده ستغرورق عيناي بالدموع وتغرق دواخلي في شبر حنين.
مسحت على وريدي بعد أن لمسته باناملها الرقيقة فسري في داخلي بعضاً من الخدر اللذيذ، لكنه سرعان ما ولي هارباً أو طردته أنا عندما جحظت تلك العيون التي كانت ترقبني وتتولي عناء الترجمة.
وددت يا صديقي العزيز لو أن لي لساناً كلسانك، ولغة تشبه لغتك التي تصرع لغتهم، وأعتقد أنها سليمة ومبرأة من كل نقص.
أردت فقط أن أقول لها بعد أن سحبت المزيد من الدم أن الدماء التي تسري في عروقي هي ذات دماء مصطفى سعيد، مصطفى سعيد الذي أتاكم ثائراً وغائراً، غزاكم في دياركم وعلى طريقته الخاصة.
نواصل إن كان في العمر فسحة وبقية.. وآمل أن تكون في سعادة وهناء يا عزيزي.
Comments are closed.