حمية الصراع الإستراتيجي على السودان
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما بدأت الحرب في السودان في 15 إبريل 2023م، كان المشهد السياسي يقول أن الحرب جاءت نتيجة للخلافات التي برزت في الخلاف بين المجموعات المدنية و العسكرية في ” الإتفاق الإطاري” و كانت الأجندة الأجنبية رغم ظهورها الواضح في المجموعات المختلفة ” الرباعية أمريكا و بريطانيا و السعودية و الأمارات” و الثلاثية ” البعثة الأممية و الاتحاد الأفريقي و الإيغاد” إلي جانب الاتحاد الأوروبي، كل هؤلاء كانوا يمثلون الداعم الأساسي لعملية ” الاتفاق الإطاري” لكن العملية بدأت تأخذ بعدها الأخر، عندما دعت الأمارات رئيس تشاد محمد كاكا في 13يونيو 2023م و قدمت له دعما بمبلغ مليار و نصف دولار حتى يفتح مطاراته لاستقبال الطائرات الأماراتية المحملة بالدعم العسكري و التشوين إلي ميليشيا الدعم السريع، بدأ الدعم الخارجي يظهر بوضوح، بعدها سافر رئيس الأمارات محمد بن زايد إلي روسيا في 16 يونيو 2023م لحضور المؤتمر الاقتصادي في بطرسبرغ، و رغم حضور أبن زايد مبكرا لكن فضل الرئيس الروسي أن يعطى الكلمة بأسم الحضور للرئيس الجزائري عبد المجيد بن تبون متجاهلا محمد بن زايد الأمر الذي أغلق الباب في وجه أبن زايد أن يفتح أي قضية تخص منظمة فاغنر و دورها في السودان و لدعم الميليشيا..
في 27 يوليو 2023م حضرت الدول الأفريقية مؤتمرها مع روسيا، و التي قال فيها رئيس بوركينافاسو ( يجب علينا التوقف نحن كرؤساء الدول الأفريقية كدمي تحركها الإمبريالية.. و يجب علينا طرح الأسئلة الصعبة .. كيف تكون بلادنا غنية بالثروات و شعوبنا جائعة؟ جيلي يقول لماذا نحن نعبر المحيط إلي أوروبا نبحث عن الدعم و هم يتنعمون بخيراتنا؟ و عندما نهب لمطالبة حقوقنا نوصف بالميليشيا؟ جاء اليوم الذي يجب على اجيال الدول الأفريقية أن يتمتعوا بثرواتهم؟) بوركينافسو كانت أحدى منظومة الدول التي تسيطر على ثرواتها فرنسا، و عملت انقلاباعسكريا لكي تغير خارطتها السياسية التابعة للغرب و تبعتها مالي، و بعد مؤتمر بطرسبرغ جاء انقلاب النيجر ثم تبعتها الغابون، هذا التحول في أفريقيا أرق الغرب، و أصبحت فرنسا جاهدة لكي تعيد الوضع الذي كان قبل الانقلاب، و لكنها أجبرت على الخروج من النيجر. و بقيت الولايات المتحدة التي قالت أنها سوف تجتهد للحوار مع القيادة الجديدة، و بعد خروج فرنسا طلب من الولايات المتحدة المغادرة وغادرت.. بعدها طلبت النيجر خبراء روس لتدريب جيش النيجر، ثم تبعت ذلك السنغال التي انتخبت في مارس 2024م رئيسا لها باسيرو ديوماي فاي الذي وعد بعدم خنق السلطة التنفيذية لكل من السلطة التشريعية و القضاء لكي يكون هناك حقيقة نظاما ديمقراطيا، و إصلاح اقتصادي في البلاد، و أن تكون علاقة السنغال مع الخارج لمصلحة الشعب السنغالي، و الأخيرة تبين الموقف من فرنسا. هذا التحول في عدد من الدول الأفريقية يؤكد أن الساخل من القرن الإفريقي إلي الحيط الاطلنطي ذاهب نحو إستراتيجية جديدة دون التي كانت سائدة لمصلحة الغرب و الخاسر الأكبر فرنسا..
لم يبق لفرنسا في أفريقيا إلا تشاد و إفريقيا الوسطى و هما دولتان فقيرتان مقارنة بالدول التي فقدتها و التي كانت تجلب منها خاصة ” اليورانيوم” لتشغيل مفاعلاتها النووية، و بالتالى لابد أن تبحث عن البديل قبل أن تضربها الأزمة بقوة، فكانت أعينها على إقليم دارفور المجاور لكل من تشاد و أفريقيا الوسطى، و جاء دخول فرنسا في القضية السودانية بشكل مباشر من خلال الدعوة لعقد مؤتمر باريس لدعم السودان، الذي يظهر بأنه دعما اقتصاديا للمتضررين من الحرب لكنه يعد مدخلا سياسيا و محاولة لفرض أجندة جديدة تمسك خيوطها كل من فرنسا و حليفتها ألمانيا، و صرح ماكرون أنه لا يعترف باالسلطة بعد انقلاب 25 أكتوبر..
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سحبت ملف السودان من الخارجية الأمريكية عندما فشلت مساعدة وزير الخارجية ” مولي في” في إيجاد حل سياسي، للأزمة السودانية و جاء الملف للرئاسة و عين توم بيرييلو مبعوثا للسودان و طاف على كل الدول المجاورة للسودان و التقى بسودانيين خارج السودان لكنه لم يزور السودان، و يلتقي بالمواطنيين و السلطة داخل السودان.. و أرسلت السلطة في السودان رئيس مخابراتها لموسكو و التقى بالقيادات الروسية، و تم إرسال نائب وزير الخارجية الروسي كمبعوث رسمي من الرئيس بوتين لبورتسودان الذي التقى بالقيادة و تحدث عن علاقات إستراتيجية بين البلدين و أهتمام روسيا بالاستثمار في مجال المعادن في السودان.. هذا الذي أثار حفيظة أمريكا، و استدعاء الكونجرس للمبعوث الأمريكي للسودان لمسائلته عن السودان، و أقر أن الأمارات تعتبر داعما رسميا للميليشيا في الحرب، و وعد أن الجولة القادمة في منبر جدة سوف تكون الأخيرة.. لكن هل القيادة الأمريكية تملك ورقة ضغط على السودان، أم إنها قررت أن يكون الحل مبني على استبعاد الميليشيا عن الساحتين العسكرية و السياسية حتى تعطي فرصة لخدوم حلفائها السياسيين؟. الأخيرة هذه يقررها الشعب السوداني و ليس النفوذ الخارجي…
أن الصراع الإسترايجي في أفريقيا بين الاعبين الدوليين مسألة أصبحت حقيقة واقعة في أفريقيا، الممتدة من القرن الآفريقي للساحل الغربيللاطلنطي، و هذا الصراع سوف تتأثر به شعوب المنطقة، و سوف تراهن دول المصالح على السلطة القوية في الدول، و ليس الضعفاء.. و الملاحظ أن القوى السياسة المتشظي علي نفسها في السودان هي الحلقة الضعيفة في المنظومة، و أن الحرب قد استطاعت فيها قيادة الجيش أن تلف حولها أغلبية الشعب، نتيجة لأفعال الميليشيا ألتي نقلت حرب إلي منازل المواطنين و ممتلكاتهم.. الأمر الذي جعل قيادة الجيش تصرح بالواضح أن الفترة الانتقالية سوف تكون تحت أشراف الجيش، و كل هذه تفرضها الصراعات الإستراتيجية و بها تتغير الأجندات باستمرار.. و يصبح السؤال الذي أكرره دائما من الذي يصنع الحدث و يفرض أجندته للحوار؟ هو الذي سوف يشكل مستقبل السودان… نسأل الله حسن البصيرة.
Comments are closed.