مريم الصادق و التأرجح بين الحافتين
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن المقابلة التي أجراها سعد الكابلي على منصته في ” Youtube ” مع الدكتورة مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة تحتاج لمجهود من المتابع لها لكي يفرق بين العاطفة و أثرها على التلوين خاصة في الشأن السياسي، و بين الشغل العقلي الذي يحاول أن يقدم رؤى منطقية للحل، و في أضعف الحالات يدفع للحوار.. و كما قال المحاور أننا بنجري هذه الحوارات مع كل التيارات السياسية و الفكرية حتى نستطيع أن نفهم ما في مخيلة هؤلاء..
الغريب في الأمر: رغم تعدد الشعارات الديمقراطية المرفوعة من القوى السياسية، إلا أن الحوار كأداة ديمقراطية يتم التحفظ عليه من قبل البعض، و غياب الحوار السياسي يعد سببا رئيس في استمرار الأزمة و الحرب أن كان في المؤسسات الحزبية أو في بنية الدولة نفسها.. فالحوار يعتبر أداة للتواصل و تبادل الأراء بين تيارات الأفكار و أيضا بين القوى السياسية، هو الذي يهيء البيئة الديمقراطية.. أن الحوار ليس هو تلاقى قوى سياسية تتحكم فيها عواطف القبول و الكره، أنما هو حوار بين الأفكار المطروحة للحل.. و حجب تصورات لبعض القوى السياسية لها دورها في الصراع لا يساعد على الحل، فكان لابد من أجل معرفة كل الأراء و التصورات المطروحة، لكي يتبين أين أماكن الخلاف و أين التقارب.. غياب الحوار سمح بظهور العديد من منصات الحوار المستقلة أن تنشط في الساحة الإعلامية لكي تقدم عبر حواراتها وجهات النظر المتعددة، و المختلفة في نفس الوقت، و هي تعمل على تشبيك الأراء بطريق غير مباشر، و في نفس الوقت تثير العديد من الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات..
تحدثت الدكتور مريم في اللقاء عن ” حزب الأمة و تقدم” و لكنها لم تستطيع أن تبين العلاقة بينهما بشكل واضح، هي تقول أن حزب الأمة قدم رؤيته إلي ” تقدم” من أجل الإصلاح و العمل، و أنهم استلموا الرد و لكن لم تتم مناقشته داخل مؤسسات الحزب.. و في نفس الوقت أكدت أن رئيس الحزب و أمينه العام و مساعد الرئيس هم جزء من البناء التنظيمي لتحالف ” تقدم” مما يؤكد أن هناك صراعا بين مراكز القوى داخل حزب الأمة.. فالصراع السياسي داخل أي حزب سياسي إذا فشلت القيادة في إدارته بالحوار، و الالتزام جانب اللوائح سوف يعرض الحزب للإنقسام..
قالت مريم الصادق (بعد توقيع الوثيقة الدستورية بدأنا نعارض بعضنا البعض أكثر من معارضتنا للنظام السابق) هل الخلاف و المعارضة كانت مفاجأة على الدكتورة مريم؟ رغم أن الذي تتحدث عنه هو تحالف تأسس على وثيقة تحمل رؤس موضوعات تحتاج لتفاصيل يكمن فيها “الشيطان” مما يتوقع أن الخلاف و الصراع السياسي كان متوقعا، و ” إعلان الحرية” لا يرق لكي يكون برنامجا سياسيا يقود لعملية تغيير داخل بلد من الشمولية إلي الديمقراطية..
قالت أن وجهت النظر التي يجب أن يتفق عليها الناس ” يجب أن تقف هذه الحرب” و هذا يقود للشعار ” لا للحرب” و هي الغاية المطلوبة من كل السودانيين أن تقف الحرب.. لكن يصبح السؤال ما هي الخطوات التي توصلنا للغاية؟.. هل فقط الكل يردد الشعار أم هناك رؤية؟ حتى الآن كل الذين يطلقون الشعار لا يتحدثون عن كيف الوصول إلي هذا الشعار، المواطن الذي تم احتلال منزله و سرقت كل ممتلكاته فقط نقول له قول ” لا للحرب” و هو ينتظر الآن الجيش يحرر له منزله و يرجع له ممتلكاته.. في العديد من المقالات أكدت أن واحدة من ضعف القوى السياسية أنها اعتمدت على الشعار دون الفكرة، مما يدل أن العناصر الحزبية التي تشتغل بالعقل غابت عن الساحة السياسية..
و في محطة أخرى: تقول الدكتورة مريم ( أننا في حاجة لكي تغير طريقة تفكيرنا) أعتقد هذه رؤية صائبة، أن العقل السياسي السوداني يحتاج إلي تغيير في طريقة التفكير، و أهم مرحلة لتغيير طبيعة التفكير؛ أن يتحول الناس من الاعتماد على الشعار، و الذي يحتاج لبغبغاءات لترديده، إلي مرحلة متقمة في طرح الأفكار التي تحتاج إلي الحوار الفكري الذي يقرب المسافات بين الناس من جانب و يخلق أرضية ثقة بينهم من جانب أخر.. أن حزب الأمة الذي جاء بمصطلح ” لآ نريد الإغراق السياسي” على لسان أمينه العام فترة ” الإتفاق الإطاري” هل وصل لقناعة أن الرهان على مصالح الوطن أفضل من المصالح الحزبية..
قالت مريم (أن السياقات التي تمت في الفترة الانتقالية أو بعضها لم تكن صحيحة) و قالت أيضا (أن مسألة الحاضنة السياسية مهمة جدا في العملية السياسية) أن الحاضنة السياسية كإجتراح جديد في مسيرة العمل السياسي بعد ثورة ديسمبر 2018م هي بدعة فشلت بسبب الضعف الباين في الثقافة الديمقراطية، و أيضا ضعف القوى السياسية التي لم تستطيع أن تفرق بين المصالح المختلفة.. أما عن السياقات.. أن الفترة الانتقالية لم يكن فيها أي سياقات بالفهم المعرفي للمصطلح. لآن السياق بيؤسس على فكرة و هي التي تميزه عن الأخر، و لا اعتقد أن كل التحالفات التي ظهرت في الفترة الانتقالية كانت سياقات معروفة بأفكار تحملها، بل تحالفات قائمة على وصفات و شعارات غير مؤسسة الأفكار..
أن الدكتورة مريم من خلال اللقاء و محاولتها أن تكون واضحة، و تقدم أفكارا جديدة من خلال تغيير طريقة التفكير، و ايضا الاعتراف ببعض الإخفاقات و محاولة التصحيح، لكن هناك فارقا كبيرا في اللقاء و الممارسة.. أن تغيير طريقة التفكير تبدأ بنقد الأخطاء بوضوح بهدف معرفة الأسباب التي أدت إلي الأخطاء.. و أيضا لابد من الابتعاد عن المنهج التبريري، و عدم التخوف من الحوار السياسي.. نسأل الله حسن البصيرة..
Comments are closed.