على أحمد دقاش يكتب: السودانيون في مصر
“وَلَو أَنَّ أُمَّنا تُلاقي الَّذي لاقَوهُ مِنّا لَمَلَّتِ”..
ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال فلست محايدا في العرفان بجميل مصر وليس من الاخلاق والمروءة ان لا اكون وفيا لدولة فتحت لي باب العلم عندما ضاقت فرص التعليم في وطني السودان .
جئت مصر اوائل الثمانيات من القرن الماضي في اطار برتكول البعثات التعليمية للجامعات والمعاهد العليا المصرية في الثمانيات من القرن الماضي كان العدد المبعوث كبير (12الف) اكثر من ضعف العدد الذي تستوعبه الجامعات السودانية (5 الف) كنا نعامل مثل الطلاب المصرين وافضل نسكن في مدنهم الجامعية ونتمتع بالاعفاءات والتسهيلات المبذولة في كل شيئ
نهلنا من العلم النظامي في قاعات الجامعات والمعاهد ومن مصادر العلم الاخري التي تشمل مجالسة العلماء وغشيان محاضراتهم والاستفادة من انتاج المطابع ومعارض الكتاب .
رغم عنف النشاط السياسي وقتئذ وخاصة الاسلامي منه وقد وصل الي درجة اغتيال رئيس الجمهورية (انور السادات) لكن ظلت دور اتحادات الطلاب السودانين تتمتع بحريات تماثل تلك المتوفرة في جامعة الخرطوم كنا نحن في قيادات اتحادات الطلاب السودانين في مصر نقابل مسئولي الدولة في كل المستويات فيعالجون كل مشكلة تواجهنا لذلك ليس غريبا ان نكون نحن السودانين خريجي الجامعات المصرية حافظين لجميل مصر ولا غرابة ان نحبها ونقف معها.
السنة الماضية اندلعت الحرب في الخرطوم كان تقدير سكان الخرطوم وقتئذ حوالي 11 مليون نسمة خرج معظمهم فارين في جميع الاتجاهات لكن الجزء الاكبر منهم اتجه الي مصر .
صحيح ان تاشيرات الدخول الي مصر كانت صعبة ومحدودة لكن مئات الالاف دخلوا بدون تاشيرات بل بدون جوازات احيانا.
رغم انه سبق السودانيين الي مصر مهاجرين من دول اخري امثال ليبيا وسوريا والعراق واليمن وكثير من المهاجرين الذين ضاقت بهم بلادهم لكن السودانين يمثلون العدد الاكبر، دخلوا مرحب بهم ووجدوا فرص ليسكنوا وياكلوا ويتعالجوا ويشاركوا المصريين في كل الخدمات التي تقدم فعلا مصر هي ام الدنيا وهي اخت بلادي وصديقة .
ليس جديد علي مصر استقبال القادم اليها هروبا من الشدة او الخوف او طلبا للعلم كان ذلك هو دورها علي مد التاريخ.
الم يقل الله في شان ال يوسف: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}
الم ياوي اليها آل رسول الله صلي الله علية وسلم بعد ماساة كربلاء.
الم يهاجر ويستقر فيها مئات العلماء امثال بن خلدون والشافعي وعدد لا يحصي من العلماء وينتجوا انتاجهم الاعظم من مصر .
كان العالم الايراني د.علي شريعتي يدرس في فرنسا لكنه لا يرجع الي بلده ايران الا بعد الوقوف في مصر وملاقاة علماءها.
عندما اراد العلامة الجزائرى مالك بن نبي ان يكتب بالعربية بدلا من الفرنسيةجاء الي مصر واستقر بها .. المجال ليس مجال تعديد وحصر فقط نتأمل في بعض الشواهد .
استقبلت مصر الالاف من السودانيين الفارين من جحيم الحرب المستمرة حتي الآن واحسنت استضافتهم وفيهم الصالح والطالح .
لابد من كلمة وفاء وتقدير لمصر قيادة وشعبا وإن لم يحفظ السودانيون قيادة وشعبا لمصر هذا الموقف فليسوا احرار ولا ذوي كرامة .
نحن السودانيون في مصر مثلنا مثل ما قال طفيل الغنوي في حق جعفر حيث قال:
جَزى اللَهُ عَنّا جَعفَراً حينَ أَزلَقَت
بِنا نَعلُنا في الواطِئينَ فَزَلَّتِ
هُمُ خَلَطونا بِالنُفوسِ وَأَلجَأوا
إِلى حَجَراتٍ أَدفَأَت وَأَظَلَّتِ
أَبَوا أَن يَمَلّونا وَلَو أَنَّ أُمَّنا
تُلاقي الَّذي لاقَوهُ مِنّا لَمَلَّتِ
فَذو المالِ مَوفورٌ وَكُلُّ مُعَصَّبٍ
إِلى حُجُراتٍ أَدفَأَت وَأَظَلَّتِ
وَقالَت هَلُمّوا الدارَ حَتّى تَبَيَّنوا
وَتَنجَلِيَ العَمياءُ عَمّا تَجَلَّتِ
وَمِن بَعدِما كُنّا لِسَلمَى وَأَهلِها
قَطيناً وَمَلَّتنا البِلادُ وَمُلَّتِ
سَنَجزي بِإِحسانِ الأَيادي الَّتي مَضَت
لَها عِندَنا ما كَبَّرَت وَأَهَلَّتِ
التحية لمصر قيادة وشعبا.. ويا ايها السودانين ينتظركم رد الجميل.
Comments are closed.