حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: أهل الجود والكرم

72

تحكى الحكايات الشعبية فى بلادنا الحبيبة السودان عن إكرام الضيف وحسن إستقباله وضيافته وتقديره على نحو يأثر حتى الشعوب التى ليس من ثقافتها وعاداتها وتقاليدها الإهتمام بالضيوف وإكرامهم.

فالكرم صفة أصيلة ومتجزرة فى مناطق السودان المختلفة إذا ذهبت شرقا تجد الكرماء وإذا يممت شطرك نحو الشمال تجد كذلك من يدهشك بكرمه وجوده وإن اتجهت إلى الغرب فسترى الكرم والجود وإن توجهت إلى الجنوب ستكون أنت على موعد لم تألفه من قبل فى الكرم وكذلك وسط بلادنا.

وبلادى أنا بلاد ناس تكرم الضيف وحتى الطير يجيها جيعان من أطراف تقيها شبع وهذه الطيور المهاجرة إن مرت ببلادنا ستشبع من طرف التقاة، والتقاة بفتح التاء، هى المكان الذى يجمع فيه المزارع سنابل الذرة وتسمى بالقناديل ومفردها قندول والمثل الشهير “القندول الشنقل الريكة” وتجمع داخل الحقل بعد أن يقوم بنظافة المكان جيداً.

وتغطى السنابل فى مكانها بأفرع الأشجار وبعض سيقان الذرة الجافة لفترة تطول أو تقصر وبعدها تتم عملية الحصاد وتسمى المرحلة الأولى بقطع العيش والثانية بدق العيش حيث تفتح التقاة وتنظف من بقايا المخلفات لتهيئتها لعملية دق العيش التى تستمر لأيام عديدة حسب كمية السنابل الموجودة فى التقاة وعدد العمال الذين يقومون بالعملية.

والكرم والجود صفة تجذرت فى مجتمعنا لسنوات طويلة يشار الى الكريم فى منطقته أو الحى الذى يقطنه ويعرف بأنه أجواد وكريم وتلتصق صفة الكريم بزوجته أم أولاده فيقولون عنه “الكريم بأم عياله” بمعنى أن الرجل لا يكون كريما مالم تكن زوجته كريمة تنفق من مال زوجها ولاتخاف الفقر والعوز.

فعندها يظهر كرم الزوج واهتمامه بالضيوف وإستعداده للانفاق فالمرأة هى من تصنع الطعام والشراب وتقف على إطعام ضيوف زوجها ولا يرتاح بالها ولا تهدأ من الحركة والتوجيه والمتابعة حتى تطمئن على راحة جميع الضيوف وهى راضية عن مابذلته من جهد إن كان زوجها حاضرا أو غائبا.

فقد أصبح الكرم ديدنها وماركة تعرف بها عند الأهل والمعارف والأصدقاء والعمال فهى تشبعت بهذه الصفة الجميلة المحبوبة للناس ويتمنى كل إنسان يوصف بأنه كريم.

وأن أردت أن تتصف بصفة الكريم فعليك أن تبذل الغالى والنفيس من المال والوقت والراحة وأن تجعل البشاشة والإبتسامة عنوانا يعبر عنك “بليلة مباشر ولاضبيحة مكاشر” بمعنى أن تقدم لى بليلة بوجه مباشر ومبتسم اقبلها منك ولا تقدم لى ضبيحة أى تذبح شاة أو عجل وتقابلنى بوجه عابس ومنقبض فهنا يكمن الفرق بين “المباشر والمكاشر”.

وأذكر ذلك بيت الشعر ذائع الصيت الذى هجا فيه الحطيئة الزبرقان حيث قال له” دع المكارم لا ترحل لبغيتها فأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى”.

وذلك دليل على أنك ليس صاحب كرم وأقعد عن نيل هذه المكارم التى لا ينالها كل شخص بل لها أهلها الذين يعرفوا بافعالهم وليس باقوالهم تجد الخير يتدفق منهم يمنة ويسرة لاكرام ضيوفهم لا يخشون الفقر ويؤمنون بأن الإنفاق مخلوف لهم بإذن الله تعالى.

وهم محافظون على هذه الصفة يسلموها للجيل الذى يأتى بعدهم حتى لا تندثر وتصبح أثرا بعد عين مثل كثير من الصفات الجميلة التى فرطنا فيها وأصبحت حكايات تحكى للأجيال الجديدة.
ودمتم

Comments are closed.