البرهان يرسم مسار العمل السياسي
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما زار الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش في 29 إبريل 2024م مدينة مروي قال أمام الضباط و الجنود ( لن تكون هناك أي عملية سياسية إلا بعد أن تنتهي الحرب في البلاد) هذا القول كان يتمحور حول القضية السياسية، و لم يبين طريقة إنتهاء الحرب.. كان الحديث يتناقل بين المنابر عن تنشيط منبر جدة، خاصة بعد جلسة المسألة التي جرت في الكونجرس الأمريكي للمبعوث الأمريكي توم بيرييلو، و الذي أكد أن المنبر سوف يفعل لوقف الحرب و بدأ عملية سياسية.. بالأمس عند تفقد الفريق أول البرهان الخطوط الإمامية للمتحركات بولاية نهر النيل قال ( لا مفاوضات و لا سلام و لا وقف إطلاق نار إلا بعد دحر هذا التمرد و الخلاص من هؤلاء المتمردين المجرمين ليعيش الوطن في سلام) و أضاف قائلا ( لن نوقف القتال حتى هزيمة هؤلاء المجرمين الذين دمروا هذا البلد و الذين ستباحو ممتلكات المواطنين و مارسوا ابشع الانتهاكات و اغتصبوا بناتنا الحرائر في الخرطوم و الجنينة و الجزيرة) أن حديث البرهان أكد فيه عدم التفاوض أو الجلوس مع الميليشيا و بهذا الحديث يكون الجيش قد حسم موقفه و بين للشعب خياراته..
في جانب أخر من المشهد السياسي نجد أن ” قحت الديمقراطي” قد عقد اجتماعاتها و بينت موقفها من الصراع السياسي الدائر و موقفها عن الحرب بالوقوف مع الجيش، و مادام هي تؤكد موقفها مع الجيش تكون قد تبنت الخيارات التي أعلن عنها الفريق أول البرهانفي ولاية نهر النيل، خاصة أن مني أركو مناوي في كلمته داخل الاجتماع أكد أنهم مع حكومة فترة انتقالية من كفاءات ” تكنوقراط” و هذه تتماشى مع تصريحات قيادات الجيش السابقة خاصة الفريق أول ياسر العطا و أيضا الفريق إبراهيم جابر اللذان أكدا على تشكيل حكومة تكنوقراط للفترة الانتقالية.. و تصبح هناك قوى سياسية لم تصدع برؤيتها عن تصريحات البرهان الحزب الشيوعي الذي يرفض وجود الجيش و الميليشيا في الفترة الانتقالية، و في أخر حوار صحفي اوائل شهر مايو الحالي صرح كمال كرار عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لجريدة ” الأحداث” أن السلطة يجب أن يسلمها الجيش إلي القوى الثورية و هي حسب تعريف كرار ” الحزب الشيوعي و لجان المقاومة و النقابات” و لكن هل الزملاء قادرين على تغيير ميزان القوى حتى يستطيعوا الضغط على الجيش، في ظل التحولات التي أحدثتها الحرب في ميزان القوى لا اعتقد أن هناك قوى سياسية قادرة أن تفرض شروطها على الآخرين، إلا محاولة فقط لإثبات وجود…
توجد هناك أيضا قوى سياسة أخرى ” قحت المركزي” و خيارات الجيش لا تتوافق معها، لأنها بنت مشروعها السياسي بعد إندلاع الحرب على تسوية سياسية بين الجيش و ميليشيا الدعم، على أمل أن تعيد الأجندة السياسية السابقة ” الإتفاق الإطاري” مرة أخرى إلي مائدة التفاوض.. أن رفض الجيش للتفاوض و الاستمرار في الحرب حتى هزيمة الميليشيا أو خروجها خارج البلاد، سوف يضعف فرص التسوية. و أيضا تجد ” قحت المركزي” مطالبة أن تقدم خيارات أخرى، و أي خيار أخر يطرها أن تعدل في كل إستراتيجيتها التي بنت عليها تصوراتها للفترة الانتقالية، فهي قبل الحرب كانت تريد فترة انتقالية محدودة المشاركة من قبل القوى السياسية، عندما كانت تستخدم مصطلح ” عدم الإغراق السياسي” و تصريح البرهان يؤكد خروج الأحزاب من الفترة الانتقالية و يصبح نشاطهم قاصرا على تأهيل مؤسساتهم، و الاستعداد إلي الانتخابات العامة، هذا التصور الجديد سوف يطلب من الأحزاب السياسية أن ترتب أولوياتها وفقا له.. أو أن تفرض ذلك جملة و تفصيلا و تدخل في صراع مع سلطة ما بعد الحرب..
في اللقاء الذي كانت قد إجرته قناة ” الحدث” مع الدكتور أمين حسن عمر القيادي في حزب المؤتمر الوطني حيث قال ( نحن لن نشارك في سلطة الفترة الانتقالية و سوف ننتظر حتى إجراء الانتخابات العامة و سوف نشارك فيها) و أيضا حضور غازي صلاح الدين رئيس كتلة الإصلاح الآن و أيضا الدكتور بشير أدم رحمة القيادي في المؤتمر الشعبي في اجتماع توقيع “ميثاق السودان” لإدارة الفترة الانتقالية يؤكد موقفهم مع الكتلة الديمقراطية الداعمة للجيش و بالتالي يتوافقون مع تصريحات البرهان بعدم التفاوض..
نأتي للسؤال المهم الذي يطرح نفسه: لماذا جاءت تصريحات البرهان في هذا الوقت بعدم التفاوض مع الميليشيا و وجوب هزيمتها أو خروجها خارج البلاد؟
هل بالفعل كان الجيش يعاني من إشكالية في التسليح و توفر الزخيرة لمختلف أنواع الأسلحة، و هي التي جعلته فترة طويلة في موقف الدفاع؟ و الآن انتقل من الدفاع إلي الهجوم.. أم أن الجيش فعلا بدأ يحرز انتصارات عديدة خاصة في العاصمة و الجزيرة و كردفان و هي تفتح مسارات لانتصارات أخرى في إقليم دارفور.. أم أن الجيش وجد تأييدا من قبل الدول ذات الأثر المؤثرة و الفاعل في المجتمع الدولي؟ هي كلها أسئلة تحتاج إلي إجابات.. لكن المؤكد أن الفريق أول البرهان استند على حائط فولاذي لكي يجعل تصريحاته موقع التنفيذ، دون أن يخوض في أي تبريرات لها، بل أن يجعلها هي المشروع الذي يجب أن ينفذ بقوة السلاح.. نسأل الله حسن البصيرة..
Comments are closed.